فضيلة العلامة عبد المحسن بن حمد العباد : روى
مسلم في " صحيحه " : (2276) عن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - قال :
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن الله اصطفى كنانة من
ولد إسماعيل ، واصطفى قريشًا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ،
واصطفاني من بني هاشم ) .
وروى مسلم في " صحيحه " : (2424) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( خرج
النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة وعليه مِرطٌ مُرحَّل من شعر أسود ،
فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة
فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرًا ) .
وروى مسلم (2404) من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : لما
نزلت هذه الآية : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا
وَأَبْنَاءَكُمْ ) ، دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليًا وفاطمة
وحسنًا وحسينًا ، فقال : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي ) .
وروى مسلم في " صحيحه " (2408) بإسناده عن يزيد بن حيان قال : انطلقت أنا
وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه ، قال له
حصين : لقد لقيت - يا زيد ! - خيرًا كثيرًا ، رأيت رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - ، قال : يا ابن أخي ! والله ! لقد كبرت سني ، وقدم عهدي ،
ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فما حدثتكم
فاقبلوا ، وما لا فلا تكلفونيه ، ثم قال : قام رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يومًا فينا خطيبًا بماء يدعى خمًّا ، بين مكة و المدينة ، فحمد
الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ، ثم قال : ( أما بعد : ألا أيها الناس !
فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين :
أولهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله ، واستمسكوا به )
، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : ( وأهل بيتي ، أذكركم الله في
أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ) ، فقال
له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من
أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده ، قال : ومن هم ؟ قال : هم
آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس ، قال : كل هؤلاء حرم الصدقة ؟
قال : نعم !
وفي لفظ : فقلنا : من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال : ( لا . وايم الله ! إن
المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ، ثم يطلقها ، فترجع إلى أبيها
وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده ) .
وهنا أنبه على أمور :
• الأول : أن ذكر علي وفاطمة وابنيهما - رضي الله عنهم - في حديث الكساء
وحديث المباهلة المتقدمين لا يدل على قصر أهل البيت عليهم ، وإنما يدل على
أنهم من أخص أهل بيته ، وأنهم من أولى من يدخل تحت لفظ " أهل البيت " ،
وتقدمت الإشارة إلى ذلك .
• الثاني : أن ذكر زيد - رضي الله عنه - آل عقيل وآل علي وآل جعفر وآل
العباس لا يدل على أنهم هم الذين تحرم عليهم الصدقة دون سواهم ، بل هي
تحرم على كل مسلم ومسلمة من نسل عبد المطلب ، وقد مر حديث عبد المطلب بن
ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب في " صحيح مسلم " ، وفيه شمول ذلك لأولاد
ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب .
• الثالث : تقدم الاستدلال من الكتاب والسنة على كون زوجات النبي - صلى
الله عليه وسلم - آل بيته ، وبيان أنهن ممن تحرم عليه الصدقة ، وأما ما
جاء في كلام زيد المتقدم من دخولهن في الآل في الرواية الأولى ، وعدم
دخولهن في الرواية الثانية ، فالمعتبر الرواية الأولى ، وما ذكره من عدم
الدخول إنما ينطبق على سائر الزوجات سوى زوجاته - صلى الله عليه وسلم - .
أما زوجاته - رضي الله عنهن - ، فاتصالهن به شبيه بالنسب ؛ لأن اتصالهن به
غير مرتفع ، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة ، كما مر توضيح ذلك في كلام ابن
القيم - رحمه الله - .
• الرابع : أن أهل السنة والجماعة هم أسعد الناس بتنفيذ وصية النبي - صلى
الله عليه وسلم - في أهل بيته التي جاءت في هذا الحديث ؛ لأنهم يحبونهم
جميعًا ويتولونهم ، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف ،
وأما غيرهم فقد قال ابن تيمية في " مجموع فتاواه " : (419/4) : ( وأبعد
الناس عن هذه الوصية الرافضة ، فإنهم يعادون العباس وذريته ، بل يعادون
جمهور أهل البيت ويعينون الكفار عليهم ) .
وحديث : ( كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ) ، أورده الشيخ
الألباني - رحمه الله - في " السلسلة الصحيحة " : (2036) وعزاه إلى ابن
عباس ، وعمر ، وابن عمر ، والمسور بن مخرمة - رضي الله عنهم - ، وذكر من
خرجه عنهم ، وقال : ( وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح ،
والله أعلم ) .
وفي بعض الطرق أن هذا الحديث هو الذي جعل عمر - رضي الله عنه - يرغب في
الزواج من أم كلثوم بنت علي من فاطمة - رضي الله عن الجميع - .
وروى الإمام أحمد في " مسنده " : (374/5) عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن
ابن طاوس ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن رجل من أصحاب النبي -
صلى الله عليه وسلم - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول : (
اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته ، وعلى أزواجه وذريته ، كما صليت على آل
إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى أهل بيته ، وعلى أزواجه
وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) .
قال ابن طاوس : وكان أبي يقول مثل ذلك .
ورجال الإسناد دون الصحابي خرج لهم البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة ،
وقال الألباني في " صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - " : ( رواه
أحمد والطحاوي بسند صحيح ) .
وأما ذكر الصلاة على الأزواج والذرية ، فهو ثابت في " الصحيحين " - أيضًا - من حديث أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - .
لكن ذلك لا يدل على اختصاص آل البيت بالأزواج والذرية ، وإنما يدل على
تأكد دخولهم وعدم خروجهم ، وعطف الأزواج والذرية على أهل بيته في الحديث
المتقدم من عطف الخاص على العام .
قال ابن القيم بعد حديث فيه ذكر أهل البيت والأزواج والذرية - وإسناده فيه
مقال - : ( فجمع بين الأزواج والذرية والأهل ، وإنما نص عليهم بتعيينهم ؛
ليبين أنهم حقيقون بالدخول في الآل ، وأنهم ليسوا بخارجين منه ، بل هم أحق
من دخل فيه ، وهذا كنظائره من عطف الخاص على العام وعكسه ، تنبيهًا على
شرفه ، وتخصيصًا له بالذكر من بين النوع ؛ لأنه أحق أفراد النوع بالدخول
فيه ) . " جلاء الأفهام " : ( ص 338 ) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي
أوساخ الناس ) ، أخرجه مسلم في " صحيحه " من حديث عبد المطلب بن ربيعة
(1072) ، وقد تقدم .