فضيلة العلامة عبد المحسن بن حمد العباد : قال
الله - عز وجل - : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ
كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ
أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً . وَإِنْ كُنْتُنَّ
تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ
لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا . يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ
مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا
الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا . وَمَنْ
يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا
أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا . يَا
نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ
اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي
قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا . وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ
وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ
الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا
يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا . وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ
مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) .
[ الأحزاب : 28 - 34 ] .
فقوله : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) . دالٌ على فضل قرابة رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - ، وهم الذين تحرم عليهم الصدقة ، ومن أخصِّهم أزواجه
وذريته ، كما مرَّ بيانه .
والآيات دالة على فضائل أخرى لزوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،
أوّلها : كونهن خيرن بين إرادة الدنيا وزينتها ، وبين إرادة الله ورسوله
والدار الآخرة ، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة - رضي الله عنهن
وأرضاهن - .
ويدل على فضلهن أيضًا قوله تعالى : ( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) . [ الأحزاب : 6 ] . فقد وصفهن بأنهن أمهات المؤمنين .
وأما قوله - عز وجل - : ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ( . [ الشورى : 23 ] .
فالصحيح في معناها : أن المراد بذلك بطون قريش ، كما جاء بيان ذلك في "
صحيح البخاري " : (4818) عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - ؛ فقد
قال البخاري : حدثني محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن
عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت طاوسًا ، عن ابن عباس : أنه سئل عن قوله :
( إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، فقال سعيد بن جبير : قربى آل
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فقال ابن عباس : ( عجلت ؛ إن النبي - صلى
الله عليه وسلم - لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة ، فقال : إلا
أن تصلوا ما بيني وبينكم من قرابة ) .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : ( أي : قل يا محمد ! لهؤلاء المشركين
من كفار قريش : لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم مالاً تعطونيه ،
وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني وتذروني أبلغ رسالات ربي ، إن لم
تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة ) ، ثم أورد أثر ابن عباس
المذكور .
وأما تخصيص بعض أهل الأهواء " الْقُرْبَى " في الآية بفاطمة وعلي - رضي
الله عنهما - وذريتهما فهو غير صحيح ؛ لأن الآية مكية ، وزواج علي بفاطمة
- رضي الله عنهما - إنما كان بالمدينة .
قال ابن كثير - رحمه الله - : ( وذكر نزول الآية بالمدينة بعيد ، فإنها
مكية ، ولم يكن إذ ذاك لفاطمة - رضي الله عنها - أولاد بالكلية ؛ فإنها لم
تتزوج بعلي - رضي الله عنه - إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة ،
والحق تفسير هذه الآية بما فسرها به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن
عباس - رضي الله عنهما - ، كما رواه البخاري ) .
ثم ذكر ما يدل على فضل أهل بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - من السنة ومن الآثار عن أبي بكر و عمر - رضي الله عنهما - .