[size=24]فضيلة العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني : إن
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله . (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) . [ آل عمران : 102 ] . ( يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً
كَثِيرًا وَنِسَاءًا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) . [ النساء : 1 ]
. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً
سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) . [
الأحزاب : 70 - 71 ] . أما بعد :
فالواجب على كل مسلم : أن يعبد الله - تبارك وتعالى - على العلم النافع
والعمل الصالح ، ولعلكم - جميعًا أو أكثركم - يعلم : أن العلم النافع لا
يكون إلا إذا كان مستقىً ومستنبطًا من كتاب الله ومن سنة رسول الله - صلى
الله عليه وآله وسلم - ، ثم ما جاءنا عن السلف الصالح ؛ لأنهم هم القوم لا
يشقى جليسهم .
وقد جاء الأمر باتباع الكتاب والسنة والسلف الصالح في غير ما حديث واحد ،
لعلنا نقتصر على التذكير منها بحديث واحد ؛ ألا وهو حديث العرباض ابن
سارية - رضي الله تعالى عنه - قال : وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وعلى
آله وسلم - موعظةً وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا
رسول الله ! أوصنا ، قال : ( أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن
ولي عليكم عبدٌ حبشي ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم
بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ،
وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) .
في هذا الحديث - كما سمعتم - الأمر بشيء زائد عن الكتاب والسنة ، وذلك
باتباع سنة الخلفاء الراشدين من بعد النبي الكريم - صلى الله عليه وآله
وسلم - ؛ وما ذاك إلا لأن الخلفاء الراشدين تلقوا العلم والكتاب والسنة من
النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مباشرة دون واسطةٍ ما ، وفهموا هذه
السنة والقرآن الكريم كما علمهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ،
ولذلك فينبغي على كل طالب للعلم ألا ينسى هذا الأمر النبوي الكريم في
اتباع الخلفاء الراشدين ، ويُلحق بهم من كان من أهل العلم من الصحابة
الآخرين .
فإذا الأمر كذلك ؛ فعلينا أن تكون دعوتنا وأن يكون علمنا مستنبطًا من
الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح ، من أجل ذلك يقول ابن قيم الجوزية -
رحمه الله - : ( العلم : قال الله ، قال رسوله ، قال الصحابة ليس بالتمويه
. ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيهِ . كلا ولا جحد
الصفات ونفيها حذرًا من التعطيل والتشبيه ) .
هذا ما يتعلق بالعلم النافع الذي يجب أن يكون هدف كل طالب علم ، وليس أن
يكون هدفه طلب العلم التقليدي القائم على التعصب المذهبي ، فهذا حنفيٌ !
وذاك مالكيٌ ! والثالث شافعيٌ ! والرابع حنبليٌ !
هؤلاء الأئمة - لا شك ولا ريب - أننا نجلهم ونقدرهم حق قدرهم ، ولذلك فنحن
نتبع سبيلهم الذي انطلقوا وساروا عليه ، وما هو إلا سبيل السلف الصالح كما
ذكرنا آنفًا ، ولكننا لا نتعصب لواحد منهم على الآخر ، هذا هو العلم
النافع ، أي : المستقى من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح .
أما العمل ؛ فيجب أن يكون المسلم فيه مخلصًا لله - عز وجل - ، لا يبتغي من
وراء ذلك جزاءًا ولا شُكورًا ، لا يبتغي من وراء ذلك أجرًا ولا ظهورًا ولا
وظيفةً ، ولا ما شابه ذلك ، وإنما يعمل العمل الصالح لله -
تبارك وتعالى - ، كما قال - عز وجل - في القرآن الكريم : ( قُلْ إِنَّمَا
أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ
وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً
صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) . [ الكهف : 110 ] .
قال علماء التفسير والفقه في هذه الجملة الأخيرة من الآية الكريمة : (
فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا
) ، قالوا : لا يكون العمل صالحًا إلا إذا كان موافقًا للسنة ، ولا يكون
مقبولاً عند الله ولو كان موافقًا للسنة إلا إذا كان خالصًا لوجه الله -
تبارك وتعالى - .
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وكثيرة جدًا ، فحسبنا بين يدي هذه
الأسئلة هذه الكلمة الوجيزة ، فهي تتلخص بأنه يجب على كل مسلم أن يحسن طلب
العلم على ضوء الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح ، وأن لا يبتغي من أعماله
الصالحة إلا وجه الله - تبارك وتعالى - ، هذا ما يسر الله - عز وجل -
بناءً على هذا الطلب .