الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .
أما بعد:
س: إن الناس يقرؤون المولد وسورة يس وسورة الفاتحة لشهداء بدر في سبعة عشر من شهر رمضان مجتمعين في المسجد الحنفي، ثم يدعون لهم، وكذلك يقرؤون المولد وسورة يس وسورة الفاتحة، ثم يقرؤون الدعاء، فهل هذا الأمر جائز في الشريعة أم لا؟ بينوا بالدلائل تؤجروا عند الله.
ج: دلت نصوص الشريعة على سمو قدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلو منزلته، وأنه خليل الله وحبيبه وأنه خاتم رسله وخيرته من خلقه، وأنه لا يؤمن أحد حتى يكون أحب إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين، وإنه لا شرع إلا ما جاء به وبلغه الأمة، وأنه ما توفاه الله إليه إلا بعد أن أكمل به دينه وأتم به على العباد نعمته.
ودلت نصوص الشريعة أيضا على فضيلة الشهداء شهداء غزوة بدر وغيرها، وعاش بعد غزوة بدر سنوات، ولم يعرف عنه أنه قرأ مولدا لنفسه يوم سبعة عشر من رمضان منفردا أو مجتمعا بغيره، ولا أنه قرأ سورة يس وسورة الفاتحة على شهداء بدر ولا غيرهم، لا في اليوم السابع عشر من رمضان ولا غيره، ولا منفردا عن الناس ولا مجتمعا بهم، ولم يثبت عنه شيء من ذلك ولا عن أحد من أصحابه، ولو كان مشروعا لنقل عنه وجرى العمل عليه في عهد أصحابه؛ لأنه لا خير إلا دلنا عليه، والأصل في كل العبادات: التوقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يزور القبور - ومنها قبور الشهداء - ويدعو لهم، ولم يثبت عنه أنه قرأ مولده، وسورة يس أو سورة أو آية أخرى من القرآن في زيارته للقبور.
وحيث لم يثبت عنه شيء من ذلك ولا جرى عليه عمل الصحابة دل ذلك على: أن قراءة المولد وسورة يس وسورة الفاتحة لشهداء بدر في اليوم السابع عشر بدعة في نفسها، وتحديد يوم لذلك بدعة أخرى، والاجتماع من أجل عمل البدعة بدعة في بدع مجتمعة، وكذلك فعل ذلك ثم الدعاء بعده بدعة، فعلى المسلم أن يتحرى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويعمل به فإنه لا شرع إلا ما شرعه، وما سواه مما أحدثه الناس من العبادات التي لم يشرعها الله ورسوله كله بدعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد }.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.(1).
س: ما حكم الاحتفال بليلة سبع وعشرين ليلة القدر؟
ج: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، فهدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان الإكثار من العبادات من صلاة وقراءة القرآن وصدقة وغير ذلك من وجوه البر، وكان في العشرين الأول ينام ويصلي ، فإذا دخل العشر الأخير أيقظ أهله وشد المئزر وأحيا ليله وحث على قيام رمضان وقيام ليلة القدر، فقال صلى الله عليه وسلم: { من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه } {ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه} متفق عليه.
وبين صلى الله عليه وسلم أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وأنها في أحد أوتاره ، فقال صلى الله عليه وسلم: {التمسوها في العشر الأواخر في الوتر منه} رواه أحمد في المسند، وأخرجه الترمذي وجاء فيه: {التمسوها في تسع يبقين، أو سبع يبقين، أو خمس يبقين، أو ثلاث يبقين، أو آخر ليلة } ، قال الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث حسن صحيح، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها الدعاء الذي تدعو به إن وافقت هذه الليلة، فقد روى أحمد في المسند عنها رضي الله عنها قالت: { يا نبي الله ، إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني } ، وقد أخرجه أيضا النسائي ، وابن ماجه ، والترمذي ، وقال الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث حسن صحيح، هذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان وفي ليلة القدر، وأما الاحتفال بليلة سبع وعشرين على أنها ليلة القدر فهو مخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بليلة القدر، فالاحتفال بها بدعة.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. (2).
س: أيها العلماء ما حكم الشرع في المسألة الآتية:
(1) - هل وزع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ختم القرآن الكريم في قيام رمضان شيئا من المأكولات والمشروبات والحلوى؟ أو أحد من أصحابه رضي الله عنهم أو التابعين وتابعي التابعين والسلف الصالحين.
إن كان هذا الأمر ثابتا في القرون المشهود لها بالخير فنبهونا مع حوالة الكتاب والصفحة والمجلد والمطبعة، وإن لم يثبت فعلمونا بالدليل هل هذا الفعل جائز شرعا إذا فعل التزاما مع اعتقاد الفاعل أن هذه المأكولات والمشروبات والحلوى تبرك من التبركات؟.
ج: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن التابعين ولا أئمة السلف فيما نعلم أنهم كانوا إذا ختموا القرآن في قيام رمضان يوزعون المأكولات والمشروبات والحلويات ويلتزمون ذلك، بل هو بدعة مستحدثة في الدين، لكونها عقب عبادة قد فعلت من أجلها ووقتت بوقتها، وكل بدعة في الدين فهي ضلالة؛ لما فيها من اتهام الشريعة بعدم الكمال، وقد قال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }ولما ثبت عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: {وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: أوصيكم بتقوى الله، وبالسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضو ا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة } .
وقد ثبت عن مالك بن أنس رحمه الله أنه قال: (من أحدث في الدين ما ليس منه فقد زعم أن محمدا خان الرسالة) فإن الله تعالى يقول: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا. اهـ.
ولكن لو وقع مثل ذلك أحيانا من غير التزام فلا حرج.