فضيلة العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي : الحمد
لله على ما له من الأسماء الحسنى والمثل الأعلى ، وما خلقه وحكم به في
الأولى والأخرى . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وله ترفع
الشكوى ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى ونبيه المجتبى . اللهم صل
وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه العلماء الفضلاء النجباء . أما بعد :
أيها الناس ، اتقوا الله حق تقواه ، وذلك باجتناب مساخطه وتتبع رضاه ،
وبالشكر له على ما أولاه من النعم وأسداه . فقد أمدكم الله بهذا الشهر
الكريم ، وأسبغ عليكم فيه كرمه العميم . أنزل الله فيه القرآن محتويًا على
الهدى والخير والبيان .
فيه تفتح أبواب الرحمة والخيرات ، وفيه تغلق أبواب الجحيم وتتوب العصاة من
السيئات ، وينادي فيه منادي الخير: يا باغي الخير أقبل على الطاعات ، ويا
باغي الشر أقصر وتب عن المخالفات .
ولله عتقاء من النار ، وذلك في كل ليلة عند الإفطار . فتعرضوا لنفحات
المحسن الغفار . فمن جمع بين الإمساك عن المفطرات ، وأمسك عن الأقوال
والأفعال المحرمات ، واحتسب الثواب عند فاطر الأرض والسماوات ، غفر له ما
تقدم من ذنبه ورفعت له الدرجات ، ومن تجرأ على المعاصي والمظالم وانتهك
فيه الأعراض وخاض المآثم فليس لله حاجة في أن يدع الطعام والشراب والشهوات
.
فإن الله كتب الصيام على هذه الأمة ليكونوا من المتقين ، وليستعينوا بترك
شهواتهم على إصلاح الدين ، قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، فأخبر أن الصيام أكبر الوسائل
لتحقيق التقوى ، وفيه كمال الثواب ورضى المولى ، فقد اختصه الله لنفسه من
بين سائر الأعمال ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( كل عمل ابن آدم يضاعف
له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، يقول الله : إلا الصيام فإنه لي
وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلى ) ، ( وللصائم فرحتان :
فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ) ، و ( لخلوف فم الصائم أطيب عند الله
من ريح المسك ) . ( الصوم جنة ) : أي وقاية من المعاصي ووقاية من العذاب ،
وسبب لنيل الفضائل وحصول الثواب .
فيا له من عمل عظيم تولى جزاءه الرحمن ، وغمر أهله بالجود والكرم والإحسان
، وهيأ عند دخولهم الجنة لهم باب الريان . يفضون منها إلى النعيم المقيم ،
والعيش السليم ، في جوار الرب الكريم . قد أعد لهم من كرمه مالا عين رأت ،
ولا أذن سمعت ، ولا خطر على القلوب . وهيأ لهم ما تشتهيه الأنفس وتلذ
الأعين ، من كل مطلوب ومرغوب .
أعده نزلا وضيافة للصائمين وكرامة ومنحة للمتقين ، كما قال تعالى في حق
هؤلاء المحسنين : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي
الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ) .