فضيلة العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان : الحمد
لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد خاتم النبيين ، وعلى آله
وأصحابه أجمعين . وبعد : فقد ظهرت في هذا العصر ظاهرة الحوار بين الطوائف
المختلفة .
والحوار في ذاته مع المخالف إذا كان القصد منه بيان الحق ورد الباطل فهو
مطلوب ومشروع .
قال تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ
سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ
نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن
دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )
. [ آل عمران : 64 ] .
فندعوهم إلى التوحيد وهو عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه .
ولا يكفي الاعتراف بالربوبية فقط ثم بعد بيان الحق تطلب المباهلة من
المخالف المصر على الباطل وهي الدعوة باللعنة عليه .
قال تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ
الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ
وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ
فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) . [ آل عمران : 61 ] .
وأما إن كان القصد في الحوار بيننا وبين من يخالفنا في العقيدة أننا نقبل
شيئًا من باطله ، أو أن نتنازل عن شيء من الحق الذي نحن عليه ؛ فهذا باطل
لأنه مداهنة .
قال تعالى : ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) . [ القلم : 9 ] .
وقال تعالى : ( أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ) . [ الواقعة :
81 ] .
لكن لا مانع أن نتعامل مع المخالف في العقيدة بالعدل في حدود المصالح
الدنيوية ، وأن نحسن إلى من لم يسيء إلينا منهم ؛ كما قال تعالى : ( لا
يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ
يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ
إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) . [ الممتحنة : 8 ] .
وقال تعالى : ( وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ
تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) . [ المائدة : 8 ] .
وأن نفي للمعاهد بعهده والمستأمن بأمانه ، ونحترم دمه وماله ؛ كما نحترم
دماء المسلمين وأموالهم .
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة ،
وأن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين سنة ) .
وهذا أمر متقرر في الشريعة الإسلامية لا ينكره إلا جاهل أو مكابر .
وأردت بهذه الكلمة الرد على طائفتين من الناس .
• الطائفة الأولى : التي تنكر التعامل مع المخالف في العقيدة مطلقًا .
• والطائفة الثانية : هي الطائفة المتميعة التي ترى أنه لا فارق بين أصحاب
العقيدة الصحيحة وأصحاب العقيدة الباطلة وهي اعتبار : ( الرأي الآخر ) .
والواجب الحذر من هذه المبادئ الباطلة ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ
دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ) . [ آل عمران : 85 ] .
وهو الإسلام الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وسار عليه الصحابة
والتابعون وأهل السنة والجماعة من بعدهم .
وليس المراد الإسلام المصطنع المخالف لما جاء به الرسول - صلي الله عليه
وسلم - ونقصد بمن يخالفنا في العقيدة كل من يريد غير الإسلام دينا سواء ،
كان من الكفار أو كان من الفرق الضالة المخالفة لعقيدة السلف الصالح من
الصحابة والتابعين لهم بإحسان .
ولا نرضى بغير القرآن والسنة بديلاً ولا بغير الرسول محمد - صلى الله عليه
وسلم - قدوة .
قال الله تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ
وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ
وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) . [ الأنعام : 153 ] .
لا نقبل التلفيق ولا التملق والنفاق .
هذا ما أوردت بيانه ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ) . [
هود : 88 ] .