فضيلة العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان أنصح
للشباب ولغيرهم من المسلمين : أن يهتموا بالعقيدة - أولاً - وقبل كل شيء ؛
لأن العقيدة هي الأصل الذي تبنى عليه جميع الأعمال قبولاً وردًا ، فإذا
كانت العقيدة صحيحة موافقة لما جاء به الرسل - عليهم الصلاة والسلام - ،
خصوصًا خاتم الرسل نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ، فإن سائر
الأعمال تقبل إذا كانت هذه الأعمال خالصة لوجه الله تعالى ، وموافقة لما
شرع الله ورسوله ، وإذا كانت العقيدة فاسدة ، أو كانت ضالة مبنية على
العوائد وتقليد الآباء والأجداد ، أو كانت عقيدة شركية ، فإن الأعمال
مردودة ، لا يقبل منها شيء ، ولو كان صاحبها مخلصًا وقاصدًا بها وجه الله
؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - لا يقبل من الأعمال إلا ما كانت خالصة لوجهه
الكريم ، وصوابًا على سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
فمن كان يريد النجاة لنفسه ، ويريد قبول أعماله ، ويريد أن يكون مسلمًا
حقًا ، فعليه أن يعتني بالعقيدة ، بأن يعرف العقيدة الصحيحة ، وما يضادها
، وما يناقضها ، وما ينقصها ، حتى يبني أعماله عليها ، وذلك لا يكون إلا
بتعلمها من أهل العلم وأهل البصيرة الذي تلقوها عن سلف هذه الأمة .
قال الله - سبحانه وتعالى - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : (
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) . [ محمد : 19 ] .
وقد ترجم الإمام البخاري - رحمه الله - ترجمة قال فيها : ( باب : العلم
قبل القول والعمل ) ، وساق هذه الآية الكريمة : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ
إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ) ، حيث بدأ الله - سبحانه وتعالى - بالعلم قبل القول
والعمل .
وقال الله - سبحانه وتعالى - : ( وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي
خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) . [ العصر : 3 ] . فرتب السلامة من
الخسارة على مسائل أربع :
- المسألة الأولى : الإيمان ، ويعني : الاعتقاد الصحيح .
- المسألة الثانية : العمل الصالح والأقوال الصالحة ، وعطف الأقوال
الصالحة والأعمال الصالحة على الإيمان من باب عطف الخاص على العام ؛ لأن
الأعمال داخلة في الإيمان ، وإنما عطفها عليه اهتماما بها .
- المسألة الثالثة : ( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ) . [ العصر : 3 ] . يعني
: دعوا إلى الله ، وأمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، لما اعتنوا
بأنفسهم أولاً ، وعرفوا الطريق ، دعوا غيرهم إلى ذلك ، لأن المسلم مكلف
بدعوة الناس إلى الله - سبحانه وتعالى - ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن
المنكر .
( وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) . [ العصر : 3 ] . وهذه المسألة الرابعة : الصبر على ما يلاقونه في سبيل ذلك من التعب والمشقة .
فلا سعادة لمسلم إلا إذا حقق هذه المسائل الأربع .
أما الاهتمام بالثقافات العامة ، والأمور الصحفية ، وأقوال الناس ، وما
يدور في العالم ، فهذه إنما يطلع الإنسان عليه بعدما يحقق التوحيد ، ويحقق
العقيدة ، ويطلع على هذه الأمور ، من أجل أن يعرف الخير من الشر ، ومن أجل
أن يحذر من ما يدور في الساحة من شرور ودعايات مضللة ، لكن هذا بعدما
يتسلح بالعلم ويتسلح بالإيمان بالله ورسوله ، أما أن يدخل في مجالات
الثقافة والأمور الصحفية وأمور السياسة وهو على غير علم بعقيدته وعلى غير
علم بأمور دينه ، فإن هذا لا ينفعه شيئًا ، بل هذا يشتغل بما لا فائدة له
منه ، ولا يستطيع أن يميز الحق من الباطل .
كثير ممن جهلوا العقيدة واعتنوا بمثل هذه الأمور ضلوا وأضلوا ولبسوا على
الناس ، بسبب أنهم ليس عندهم بصيرة وليس عندهم علم يميزون به بين الضار
والنافع ، وما يؤخذ وما يترك ، وكيف تعالج الأمور ، فبذلك حصل الخلل ،
وحصل اللبس عند كثير من الناس ؛ لأنهم دخلوا في مجالات الثقافة ومجالات
السياسة ، من غير أن يكون عندهم علم بعقيدتهم وبصيرة من دينهم ، فحسبوا
الحق باطلاً ، والباطل حقًا .