(فَاسْتَبِقُوا
الْخَيْرَات) (3-3)
ثانياً : ماذا أعمل ؟
من فضل الله تعالى على عباده أن فتح لهم أبواب خير
كثيرة ومتنوعة ليلج كل أحد ما يتيسر له . فالصلاة والصيام والصدقة والعمرة
والحج والذكر والدعاء وقراءة القرآن وحفظه والتفكر والتعلم والتعليم والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وإعانة المحتاج وإماطة الأذى عن الطريق ....
الخ حتى جعل الكلمة الطيبة وتبسمك في وجه أخيك صدقة ، وجعل الدال على الخير
كفاعله وجعل خير الناس أنفعهم للناس والله في عون العبد ما كان العبد في
عون أخيه .
ثالثاً/ صور مشرقة من
السلف الصالح ومن الواقع المشرف:
من حرص الصحابة رضي الله عنهم على الخير كثرة سؤالهم
عما يقرب إلى الجنة ويباعد من النار ، عن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله
تعالى ويتسابقون إلى ذلك ويتحسرون على ما يفوتهم من الخير ؛ ورد في الحديث
أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا ذهب أهل
الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم. فقال « وما
ذاك ». قالوا يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق
ويعتقون ولا نعتق. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من
بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ». قالوا
بلى يا رسول الله. قال « تسبحون وتكبرون
وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة ». فرجع فقراء المهاجرين إلى
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا
ففعلوا مثله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم « ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء »(1)
ولنتأمل سويعات من يوم أبي بكر رضي الله عنه ، عن أبى
هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من
أصبح منكم اليوم صائما ؟ ». قال أبو بكر رضي الله عنه أنا. قال « فمن تبع منكم اليوم جنازة ». قال أبو بكر رضي
الله عنه أنا. قال « فمن أطعم منكم اليوم
مسكينا ». قال أبو بكر رضي الله عنه أنا. قال « فمن عاد منكم اليوم مريضا ». قال أبو بكر رضي الله عنه أنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما
اجتمعن فى امرئ إلا دخل الجنة »(2).
وكان يتسابق مع صاحبه الفاروق إلى الأعمال الصالحة ،
فعن عمر رضي الله عنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق
ووافق ذلك مالا عندي فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته . قال : فجئت بنصف
مالي فقال :" ما أبقيت لأهلك "قلت :
مثله . وجاء أبو بكر بكل ما عنده فقال " يا أبا
بكر ما أبقيت لأهلك " قال : أبقيت لهم الله ورسوله . قلت : لا
أسبقه إلى شيء أبداً (3)
رابعاً/ توجيهات ووصايا:
1- الاستعانة بالله تعالى ، قال سبحانه (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين )
قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
فالأول تبرؤ من الشرك، والثاني تبرؤ من الحول والقوة، والتفويض إلى الله
عز وجل(4).
وكان من دعاء إبراهيم عليه السلام : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ )(5)
.
وعن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ
بيده وقال « يا معاذ والله إني لأحبك والله إني
لأحبك ». فقال « أوصيك يا معاذ لا تدعن
في دبر كل صلاة تقول اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك »(6).
عن أبى هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف
وفى كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شىء فلا تقل
لو أنى فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل
الشيطان »(7).
2- إخلاص العمل لله تعالى قال سبحانه (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا
الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة)(8).
وقال صلى الله عليه وسلم ( إنما
الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )(9).
3- موافقة السنة ( من
أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )(10).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاث رهط إلى
بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه
وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها ، فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه
وسلم ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني
أصلي الليل أبداً وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل
النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله أتي لأخشاكم
لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي
فليس مني )(11) .
4- المحافظة على الأعمال والاستمرار عليها . عن
عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة
قال ( من هذه ؟ ) . قالت فلانة تذكر من
صلاتها قال ( مه،، عليكم بما تطيقون فوالله لا
يمل الله حتى تملوا ) . وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه(12) .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال لي
رسول الله : ( يا عبد الله لا تكن مثل فلان ،
كان يقوم الليل فترك قيام الليل )(13).
5- قضاء ما فاته من العمل وتعويضه قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ( من نام عن حزبه من الليل ،
أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر ، كتب له كأنما قرأه من
الليل )(14) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا فاتته الصلاة من وجع أو غيره ، صلى من النهار ثنتي
عشرة ركعة )(15) .
6- عليكم من العمل ما تطيقون عن عائشة رضي الله عنها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة قال ( من هذه ؟) . قالت فلانة تذكر من صلاتها قال ( مه،، عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا
)(16) .
7- اترك المعاصي كلها وافعل من الخير ما استطعتِ قال
صلى الله عليه وسلم ( دعوني ما تركتكم ؛ إنما
أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن
شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )(17).