اقدم شكرا العميق لكاتبة هذا الموضوع
اختي الكريمة صفاء القلوب
وابدأ بنبذه عن عراقة مدينة دمشق ((الشام))وهي من اقدم المدن المؤهولة
يقترن اسم دمشق بالقدم، فقد عرفت هذه المدينة العريقة
على أنها أقدم مدينة في التاريخ ما زالت مسكونة وعامرة بالبشر... وعلى
الرغم من أن العرب في كتبهم ورواياتهم الكثيرة الواردة في مدونات اليعقوبي
والمقدسي وابن جبير والبلاذري وابن بطوطة، وغيرهم يقرنون اسم دمشق ببداية
الخليقة، ويرجعون تاريخها إلى عهد آدم الذي كان يقيم في ضاحية من ضواحيها
تسمى (بيت أبيات) ويقولون أن حواء قد أقامت في قرية أخرى ما زالت قائمة
(بيت لهيا) أو بيت الآلهة، وأن هابيل أقام في (مقرى)، وأن قابيل في
(قينيّة)... وأن أكثر المتحدثين عن دمشق يجمعون على أنها كانت موطن إبراهيم
الخليل، بل كانت مكان مولده، وكان والده يقوم بنحت الأصنام فيها... ويقال
أنها ترجع إلى من أحفاد نوح (عليه السلام)، وأن من بناها هو من أحفاد نوح،
وقيل أيضاً أن نزل فيها وأسس حائط معبدها، وهو أول حائط مبني في التاريخ...
وقيل الكثير عن دمشق وتاريخ دمشق، وعلى الرغم من أهمية هذه الأقوال
ودلالاتها الكثيرة عن دور دمشق وعظمتها وريادتها التاريخية منذ أقدم العصور
وحتى اليوم، فإنها تبقى في حدود المرويات والأساطير التي لا تعتمد في
تقديم المادة العلمية الأساسية للمؤرخ. ترى ماذا تخبرنا نتائج المكتشفات
والدراسات الأثرية التي جرت في مناطق عديدة من دمشق في السنوات الأخيرة...
دعونا نتلمس ذلك... ثورة الحضارة تعتبر الفترة الواقعة بين الألف الثامن
قبل الميلاد، والألف السادس قبل الميلاد، من الفترات الهامة جداً في بلاد
الشام بشكل عام، ودمشق بشكل خاص، ففي هذه البقعة الغنية جداً من العالم،
نضجت قبل أي مكان آخر، جملة متكاملة من التحولات الهامة، يمكن أن نحدد
عواملها في نقاط عديدة أهمها:
1 ـ الخروج من الكهف، وتأسيس القرى المبنية في العراء.
2 ـ درجة استقرار الناس داخل تلك القرى.
3 ـ القرية بحد ذاتها كإنجاز معماري، وتطور خططها ومدلولاتها.
4 ـ إنتاج القوت.
5 ـ التطور التكنولوجي والتقنيات الجديدة.
6 ـ التطور الإيديولوجي كما يتجلى في الفن أو في مراسم الدفن. في مطلع الألف الثامن قبل الميلاد في بلاد الشام اكتملت
التحولات التي ابتدأت مع العصر النطوفي، وابتكرت المجتمعات التي استقرت في
قرى الصيادين الأولى، نمطاً اقتصادياً إنتاجياً جديداً يوفر لها مصادر
عيشها بشكل أفضل، إذ انتقلت من الاقتصاد الاستهلاكي الذي يقوم على التقاط
الحبوب وصيد الحيوانات البرية، إلى إنتاج هذه الخيرات من خلال الزراعة
والتدجين... لقد شكل الانتقال إلى الاقتصاد الإنتاجي المنظّم انعطافاً
كبيراً ووضع الأرضية التي نشأت عليها الحضارات التاريخية اللاحقة، وكان هذا
الانعطاف عظيم الأثر لدرجة أن بعضهم أسماه بالثورة النيوليتية، أو ثورة
إنسان العصر الحجري الحديث، وبغض النظر عن أسباب ودوافع وظروف نشوء الزراعة
والتدجين، سواء كان مردّها ثقافياً-اجتماعياً، أو بيئوياً-جغرافياً أو
ديمغرافياً-سكانياً... أو كل هذه العوامل مجتمعة، فيجب أن نتذكر أن ابتكار
الزراعة هو الخطوة الحضارية العملاقة التي حققها الإنسان، ولولاها لما كان
لحضارتنا الحديثة أن نقوم، ولا أن تصل إلى هذه الدرجة من الغنى المتنوع،
ومع بداية الزراعة تسارعت وتائر التطور بشكل مذهل، وحصلت تحولات دراماتيكية
أسست لظهور الدول والحضارات التاريخية بكل غناها وتعقيداتها. وحتى نفهم
دور دمشق في هذه التحولات وعمليات الاستقرار والاستيطان البشري نشير إلى
دور العوامل الجغرافية والبيئوية، فمنطقة دمشق، كما هو معروف، كانت عبر
عصورها المختلفة، وفيرة المياه، خصبة التربة، تساعد على الاستقرار
والاستيطان، لهذا استقر فيها الإنسان مبكراً، كما دلت على ذلك الحفريات
الأثرية التي تمت في مواقع عديدة مثل: تل أسود، وتل الرماد، وتل الخزامى،
وتل الغريفة...