فضيلة العلامة محمد بن صالح العثيمين : الحمد
لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام
المتقين ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
فنتكلم في هذا اللقاء على أشياء يتهاون بها الناس ، ولكنها مهمة جدًا ،
فمنها ما يتعلق بالصلاة . فإن كثيرًا من الناس يتهاونون في الطهارة ، ولا
يبالي أتوضأ على الوجه المشروع أم لم يتوضأ ، ولا يبالي أطهر ثوبه وبدنه
وبقعته من النجاسة أم لم يطهر ، ولا يبالي أصلى صلاةً يطمئن فيها ويأتي
فيها بما يجب من قراءة وذكر أم لم يفعل .
أما الطهارة فإنه لا شك أنه من شروط الصلاة التي لا تصح إلا بها : أن
يتوضأ الإنسان من الحدث الأصغر وأن يغتسل من الحدث الأكبر ، دليل ذلك قول
الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ
وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) . [
المائدة : 6 ] . هذا الوضوء .
وأما الغسل فقال : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ) . [ المائدة
: 6 ] . يعني : طهروا جميع البدن . ثم إن الله - عز وجل - خفف على العباد
في ما إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يتوضأ أو يغتسل بالماء إما لمرض ،
وإما لفقد الماء ، رخص للعباد أن يتيمموا ، وذلك بأن يضربوا الأرض بأيديهم
ويمسحوا بها وجوههم وأكفهم ، قال الله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا
فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ
أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ
تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا
بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْه ) . [ المائدة : 6 ] .
ومن الناس من يتهاون في الطهارة من النجاسة ، تجد الرجل يبول ثم يقوم من
بوله دون أن يستقصي في تطهيره ، أما في الماء فتطهيره سهل يغسل الإنسان
رأس الذكر حتى يغلب على ظنه أنه تطهر ، وهذا سهل ، لا تظن أن الأمر صعب ،
فلو أن نقطة بول وقعت على أرض ملساء وصببت عليها الماء ، فإن هذا البول
سيجري في أول دفعة من الماء أو قل في ثاني دفعة . كذلك البول على رأس
الذكر لا يحتاج إلى كبير عناء ، ربما في ثلاث مرات أو أربع مرات يغلب على
ظنك أن المحل نظف ، أما ما يفعله بعض الناس من كونه يتزحر ويتكلف ويتشدد
حتى يخرج آخر بوله ، فهذا غلط ؛ لأن هذا مما يسبب سلس البول في الإنسان .
وكذلك بعض الناس تجده يمسح قناة الذكر من أصلها إلى رأس الذكر بحجة أنه
يريد أن يخرج البول الباقي في القناة ، وهذا غلط - أيضًا - لا الأول ولا
الثاني ، كلاهما من البدع ومن التعمق في دين الله - عز وجل - ، وما أكثر
الذين يبتلون بالوسواس أو سلسل البول إذا فعلوا مثل هذا الفعل .
الأمر سهل ، إذا غلب على ظنك أنك طهرت رأس الذكر من البول انتهى الأمر فلا حاجة إلى أن تعصره ولا أن تتحمل في إخراج ما بقي .
وتجد بعض الناس يتهاون في الصلاة ، من جهة الطمأنينة لا يطمئن ، يسرع
إسراعًا لا يتمكن فيه من الاستقرار والطمأنينة ، وهذا غلط ، يجب أن تطمئن
في الركوع ، والرفع من الركوع ، والسجود ، والجلوس بين السجدتين ؛ لأن
الطمأنينة ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا به ، وهنا يشكو بعض
الناس من بعض الأئمة الذين لا يمكنهم معهم أن يقيموا الطمأنينة ، يقول
الرجل : إمامنا لا يمكنني أن أقرأ الفاتحة ، فماذا أصنع !؟ لا يمكنني أن
أطمئن في السجود ماذا أصنع !؟
نقول : إذا كان كذلك فلا تصل خلفه ؛ لأنك بين أمرين : إما أن تترك
الطمأنينة وتتابعه ، وإما أن تأتي بالطمأنينة ولا يمكنك المتابعة ،
وكلاهما غلط ، فإذا علمت من إمامك أنه لا يمكنك من قراءة الفاتحة أو من
الطمأنينة في الركوع والسجود فلا تصل خلفه ، ولكن وجه النصيحة إليه أولاً
، وقل له : اتق الله فإنك لا تصلي لنفسك إنما تصلي لمن خلفك ، اتق الله
فيهم ، مكنهم من الطمأنينة ، مكنهم من قراءة الفاتحة ، مكنهم من الذكر
والتسبيح والدعاء .
ومن الناس من يتهاون بالصلاة على وجه أقبح وأطم وأعظم ، لا يقوم لصلاة
الفجر إلا إذا جاء وقت العمل ، بل ويقول لأهله : لا توقظوني إلا إذا جاء
وقت العمل . فماذا ترون في هذا الرجل الذي لا يقوم إلا إذا جاء وقت العمل
ثم يقوم ويصلي !؟ أترون صلاته صحيحه !؟
هذا الرجل صلاته غير صحيحة ، ولا مقبولة ولا مكفرة لسيئاته ، ولا رافعة
لدرجاته بل هي مردودة عليه ، يضرب بها وجهه - والعياذ بالله - الدليل :
قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : ( من عمل عملاً ليس عليه
أمرنا فهو رد ) . يعني : مردوداً ، وإذا كان مردودًا فعمله هباءً منثورًا
لا يقبل منه .
وعليه فنقول لهذا الرجل : إنه فعلاً لم يصل صلاة الفجر ، لا يصلي في اليوم
إلا أربع صلوات ؛ لأن صلاة الفجر التي تعمد ألا يقوم إلا إذا جاء وقت
العمل فيصليها غير مقبولة منه .