فضيلة العلامة محمد ناصر الدين الألباني : السائل
: في عندي سؤال بالنسبة لـ " الصوفية " : دعائهم في ليلة النصف من شعبان
وقيامهم في هذه الليلة ، وصيامهم لصبيحة ليلة النصف من شعبان ؛ ما بعرف شو
رأي فضيلتكم بالنسبة لهذه الجماعة !؟
الشيخ : معروف عند أهل السنة حقًا : أن قيام ليلة النصف من شعبان ، وصيام
نهار نصف شعبان ؛ هما أمران مبتدعان غير مشروعين ، وذلك لسببين اثنين :
- السبب الأول : أنه لم يُنقل عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -
وعن أصحابه وبقية السلف الصالح : أنهم كانوا يهتمون بإحياء هذه الليلة
وبصيام نهارها الذي يليها ؛ هذا هو السبب الأول .
ونحن نعتقد جازمين غير مرتابين ولا مترددين : أن كل خير في اتباع من سلف ،
وكل شر في إبتداع من خلف ، ويترتب من وراء ذلك : أن كل عبادة حدثت بعد
هؤلاء السلف الصالح فهي بدعة ، وقد أطلق النبي - صلى الله عليه وعلى آله
وسلم - الضلالة على كل بدعة مهما كان شأنها ، ومهما زخرفها وزينها أصحابها ؛
فالأمر كما قال رجل من أصحاب الرسول - عليه الصلاة والسلام - ومن أتقاهم
ومن علمائهم ، ألا وهو : عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم - الذي
قال : ( كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ) .
هذا الأثر الصحيح الثابت عن ابن عمر هو تفسير واضح جدًا مؤكد لعموم قوله -
عليه السلام - : ( كل بدعة ضلالة ) ؛ فهو يقول بلسان عربي مبين : ( كل بدعة
ضلالة وإن رآها الناس حسنة ) ، وإذا كان الأمر كذلك ؛ فصيام نصف شعبان ،
وقيام ليلة النصف أمران محدثان لم يكونا في عهد السلف الصالح ؛ هذا أولاً .
- ثانيًا : إن الذين يستحسنون الاعتناء بصيام يوم النصف من شعبان وقيام
ليلة النصف يعتمدون على حديث إسناده ضعيف جدًا ؛ وهو مما رواه ابن ماجه في "
سننه " : أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال - وهذا مما لا يصح
نسبته إلى النبي - صلى الله علي وسلم - : ( إذا كان ليلة النصف من شعبان ؛
فقوموا ليلها وصوموا نهارها ) .
ثم ذكر فضيلة بالغ فيها الراوي ، الذي زُيَّن له سوء عمله أن ينسب هذا
الحديث إلي نبيه - صلى الله عليه وسلم - ؛ ومن ذلك أنه غُفِر له - أي : في
ذلك اليوم - كذا وكذا من الذنوب والمعاصي ؛ فهذا الحديث شديد الضعف لا يجوز
العمل به حتى عند الذين يظنون أنه يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل
الأعمال ؛ لأنهم يشترطون شروطًا منها : ألا يشتد ضعفه .
وهذا الحديث ضعفه شديدًا ؛ يضاف إلى ذلك بالنسبة لصيام يوم النصف قوله -
عليه السلام - الثابت عندنا نسبته إليه : ( إذا كان النصف من شعبان ؛ فلا
صوم حتى رمضان ) . ( إذا كان النصف من شعبان ؛ فلا صوم حتى رمضان ) .
ولاشك : أن يوم الخامس عشر هو من النصف من شعبان وبخاصة حينما يكون شعبان
ناقصًا ؛ حينما يكون تسعة وعشرون يومًا ؛ فيكون في هذه الحالة هو النصف
بالتأكيد ؛ فلا يجوز صيامه .
إذن الذين يهتمون بصيام يوم النصف من شعبان أخطأوا مرتين ؛ بل نستطيع أن
نقول ثلاث مرات ؛ لكن إحدى الثلاث نقول بتحفظ ؛ أخطأوا مرتين ؛ لأنهم عملوا
بالحديث الضعيف جدًا ؛ وإذا قالوا نحن لسنا بحاجة إلى هذا الحديث ؛ جاءت
المرة الثالثة التي أشرنا إليها وهي أنهم ابتدعوا في دين الله ما لا أصل له
، والمرة الثالثة وهي واضحة جدًا أنهم خالفوا الحديث الصحيح الذي قاله -
عليه السلام - وذكرته لكم آنفًا : ( إذا كان النصف من شعبان ؛ فلا صوم حتى
رمضان ) .
فلا ينبغي الاهتمام بليلة النصف إطلاقًا ؛ لأنه لم يصح في فضلها شيء مطلقًا
، ولأن السلف الصالح لم يُنقل عنهم هذا الاهتمام الذي نسمعه - الآن - من
هؤلاء الخلف .
أما النصف من شعبان ؛ فبالإضافه إلى أن الحديث المذكور - آنفًا - لم يصح ؛
فقد صح عكسه وخلافه وهو : ( إذا كان النصف من شعبان ؛ فلا صوم حتى رمضان ) .
ومن العبرة في هٰذه المناسبة : أن نجد عامة الناس - مع الأسف الشديد -
يهتمون ببعض العبادات التي لم تصح لا رواية ولا دراية ما لا يهتمون
بالعبادات التي صحت عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ولا خلاف بين
علماء المسلمين في شرعيتها ؛ فيهتمون بما لا يجوز الاهتمام به ، ويعرضون
عن ما ينبغي الاهتمام به ؛ وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين إن شاء الله
.