بسم الله الرحمن الرحيم
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}
(1) سورة الإسراء
في مثل هذا اليوم في السابع والعشرين من رجب عام 621م كان النبي ( محمد ) عليه الصلاة والسلام على موعد جديد من الفجر الإسلامي المجيد ، حيث اقتاده الأمين جبرائيل عليه السلام من ( مكة حتى القدس ) بواسطة ( البراق ) قيل بأنه دون البغل وفوق الحمار ، وخطواته سريعة جدا ، يحط قدمه على امتداد بصره ، حتى وصل المسير ليلا ( وقت السراة ... قبيل الفجر ) إلى القدس الشريف ، بحيث كانت تخضع المدينة للإحتلال البيزنطي ، ونحن نقول وبالله التوفيق : بأنها كانت ( القدس ) محتلة ( فارسيا ) منذ العام 614م حيث تقدمت جيوش الفرس بقيادة ( شهربراز ) من قواد ( كسرى الفارسي ) واحتلوا القدس ، ودمشق ، واستولوا على ما يعرف بالصليب المقدس ، حيث نزل في هذا الشأن قرآن كريم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى :
( غلبت الروم في أدنى الأرض ، وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله )
( الروم 1-5)
حيث كانت الدعوة الإسلامية في بدايتها ، وكانوا متعاطفين مع أهل الكتاب من المسيحيين الروم ، وكان يود المسلمين أن ينتصر المسيحيون أهل الكتاب على المجوس الفرس ( عبدة النار ) فنزلت هذه الآيات البينات على محمد عليه الصلاة والسلام لتؤكد على نصر الروم لاحقا في بضع سنين ( أي خلال 3 إلى 9 ) سنوات ، وهذا نعتبره من ( الإعجاز التاريخي ) في القرآن الكريم ، حيث استعاد ( هرقل الروم ) القدس وسوريا من الفرس عام 622م واستكمل انتصاراته حتى العام 627م ، وبهذا تحقق وعد الله للنبي بنصر الروم من أهل الكتاب على الفرس في بضع سنين .
ومن هنا ( أرى ) بأن ليلة الإسراء عام 621م كانت قبل استعادة القدس من الفرس بعام واحد ( والله أعلى واعلم ) فكان ( المسجد الحرام ) بمكة نقطة انطلاق البراق نحو ( المسجد الأقصى ) حيث لم يكن هناك بناء للمسجد وإنما كان بمثابة مكان مقدس للديانات الثلاث ( اليهودية والمسيحية والإسلامية ) وجاء أخبار القرآن بالمسجد ( كإشارة إلى فتح القدس إسلاميا وإقامة المسجد عليها ) او قد يكون ( المقصود بالمسجد هنا المكان المقدس نفسه ) والله أعلى واعلم ... وهناك تم ربط البراق في حلقة في جدار ( حائط البراق ) أو ما يسميه اليهود ( حائط المبكى ) ومن هناك من على الصخرة المشرفة تم الإنطلاق نحو السماوات العلى برفقة جبرائيل عليه السلام ، وهناك رأى الأنبياء وسلم عليهم ، ورأى من آيات ربه الكبرى ، حتى وصل ( سدرة المنتهى ) ( شجرة ضخمة أوراقها كآذان الفيلة كما اخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام ) فتركه جبرائيل خشية من الهيبة الإلهية العظمى ، فيطلبه النبي لمرافقته فيرفض جبرائيل ويقول : ( تقدم أنت ، فلو تقدمت لاحترقت ، أما أنت فإذا تقدمت اخترقت ) ( في إشارة إلى المشيئة الربانية بتقديم محمد وتأخير جبرائيل ) لأمر أراده الله تعالى ، حيث فرض الصلاة على النبي وعلى أمته .
قال تعالى :
( ولقد رءاه نزلة أخرى ، عند سدرة المنتهى ، عندها جنة المأوى ، إذ يغشى السدرة ما يغشى ، ما زاغ البصر وما طغى )
( 13 – 17) سورة النجم
وهنا تتجلى المعجزة الإلهية في اختراق الآفاق بهذه السرعة ذهابا وإيابا ( ملايين .. بل ترليونات الترليونات من السنوات الضوئية ) يقطعها المصطفى عليه الصلاة والسلام في وقت قصير جدا من زمن الأرض ، في ليلة واحدة ، فسبحان الله الخلاق العليم .
فإن دل هذا فإنه يدل على أن جبرائيل ( وبإرادة ربانية ) قد وضع حالة المصطفى عليه الصلاة والسلام في وضع يسمح له بالإنطلاق عبر الفضاء الكوني بسرعة قد تفوق سرعة الضوء ، مما أتاح له العبور إلى كون آخر يختلف اختلافا كليا عما نحن عليه على كوكب الأرض من حيث قوانين الأرض وفيزيائها ، وهنا يقف العقل البشري صامتا ومذهولا أمام القدرة الإلهية العظيمة .
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}
(117) سورة البقرة
وهنا لا يسعنا إلا الوقوف بصمت و وقار لنمجد الرب الواحد الديان على عظمته التي فاقت الخيال وحطمت المعقول
آمنت بالله
وكل عام وانتم بخير