فضيلة العلامة المفسر عبد الرحمن بن ناصر السعدي :
الحمد لله الذي فتح لعباده أبواب الرحمة والمتاب ، ويسَّرَ لهم
الخروج مِن التبعات وسهل الأسباب ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له عليه توكلت وإليه متاب . وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أكمل مُخلصٍ
أَوَّاب ، اللهم صَلِّ وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أشرف آل وأكرم صحاب .
أما بعد :
أيها الناس : اتقوا ربكم وتوبوا إليه ، ولا تلتفتوا بقلوبكم ولا تُعوِّلوا
إلا عليه . فقد أمركم بالتوبة ويَسَّرَ لكم أسبابها ، ونهج لكم السُّبُل
النافعة وفتح أبوابها .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ
تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا
يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا
نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) . [
التحريم : 8 ] .
( وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ ) . [ النور : 31 ] .
وقال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) . [ طه : 82 ] .
فأخبر أنه غَفَّار لمن تاب من السيئات ، وآمن بوحدانية الله وما له من عظيم
الصفات ، وسارع إلى مرضاة رَبِّه بالأعمال الصالحات ، ثم اهتدى وداوم على
الإنابة إلى الممات . فمن ندم على ما مضى مِن الزلات ، وأقلع في الحال عن
الخطيئات ، وعزم أن لا يعود في مستقبله إلى الجنايات ، فقد قام بشروط
التوبة والله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .
ومن تَطَهَّر طهرًا كاملاً وقال بعده : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين ،
واجعلني من المتطهرين ، وصَلَّى ركعتين لا يحدث فيهما - نفسه - غَفر الله
ذنوبه ، وأناله مراده ومطلوبه .
وقال تعالى : ( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ
يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) . [ النساء : 110 ] .
وفي الحديث القدسي : يقول الله تعالى : ( يا عبادي ! إنكم تُخطئون بالليل
والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعًا ؛ فاستغفروني أغفر لكم ) .
وجعل الله الصلاة في جوف الليل والصدقة على المحتاجين مُطفئتان للخطايا كما
يطفئ الماء النار ، كما جعل كَظْمَ الغيظ والعفو عن الناس من خصال التقوى
وماحِيًا للأوزار .
وما يصيب المؤمن من هَمٍّ ولا غَمٍّ ولا أذى إلا كفرت بها عنه الخطيئات ،
وقد جعل تعالى جميع الحسنات تذهب السيئات .
فتوبوا إلى ربكم قبل تعذر المتاب . وقبل طي الصحائف وغلق الباب . قبل ( أَن
تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتىٰ عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللهِ وَإِن
كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي
لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ
أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) . [ الزمر : 56 - 58 ] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .