فضيلة العلامة د. ربيع بن هادي بن عمير المدخلي :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن
اتبع هداه ، أما بعد : فقد كثر الكلام عن " حوار الأديان وعن حرية التعبير
وحرية التدين " في الصحف والمواقع الفضائية وفى المجالس الخاصة والعامة .
وإذا بحث المسلم عن منشأ هذه الآراء ؛ فلا يجده إلا من أعداء الإسلام من
اليهود والنصارى والعلمانيين المتحللين من القيم والعقائد السماوية
والأخلاق الرفيعة ، ولا يجد له على الأوجه التي يريدونها أي سند من القرآن
والسنة ؛ إلا ما يُلَبِّسُ به بعض هواة هذه الحريات الذين لا يفرقون بين ما
شرعه الله ، وما منعه من الأقوال والأعمال ، ولا بين الحق والباطل ولا بين
الهدى والضلال .
وأنا هنا : لا أخاطب أعداء الإسلام ؛ وإنما أخاطب من رضي بالله ربًا
ومشرعًا ، ورضي بالإسلام دينًا ، وبمحمد رسولاً - أو من يدعي ذلك - .
وأدعوهم إلى الثبات على الإسلام والتزامه عقيدةً ومنهجًا وتشريعًا ، وذلك
هو الصراط المستقيم الذي يدعو به كل مسلم في صلاته : أن يهديه الله إليه ؛
فيقول : ( اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) . [ الفاتحة : 6 ] .
وهو الذي أمر الله المؤمنين باتباعه في قوله - عز وجل - ( وَأَنَّ هَذَا
صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) الآية . [ الأنعام : 153 ] .
وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنَّ على كل سبيل من هذه السبل
شيطان يدعو إليه . وأنَّ هناك دعاة على أبواب جهنَّم من أجابهم قذفوه فيها .
- عياذًا بالله تعالى - .
ثمَّ أقول لهم :
• إن الحرية الصحيحة إنما هي في الإسلام دين الله الحق ؛ الذي جاء لإخراج
الناس من الظلمات إلى النور ، من ظلمات الجهل والكفر والشرك والرذائل
الأخلاقية إلى نور الإسلام الذي حوى التوحيد : إفراد الله الخالق الرازق
المحيي المميت ؛ الذي له صفات الكمال ونعوت الجلال ، إفراده وحده بالعبادة
والتوجه إليه بالمطالب كلها ، واللجوء إليه وحده عند الشدائد والكروب .
والكفر بالطواغيت التي اتخذها ضُلال الناس آلهة وأندادًا لله ، يعبدونها
ويخضعون ويخشعون لها من البشر ومن الأحجار والأشجار والحيوانات ، وغيرها من
المخلوقات سواء الأحياء منهم والأموات ، فهذه هي الحرية الصحيحة ، وهذا هو
التحرير الصحيح ؛ أن يتحرر الإنسان الذي كرمه الله من العبودية لكل ما سوى
الله .
فهل من شرعوا للناس هذه الحريات وينادون بها ارتفعوا بالناس إلى هذا
المستوى الرفيع الذي يليق بكرامة الإنسان !؟
الجواب : لا ... وكلا ... إنهم يريدون : أن يبقى الناس يرسفون في أغلال هذه
العبوديات المذلة يعبد كل إنسان ما يريد ويتدين بما يهواه ، من الأديان
الباطلة التي بعث الرسل كلهم لإبطالها وهدمها ، وتطهير الأرض ، وتحرير
العباد والعقول والعقائد والأخلاق منها .
ولن يتحرر الناس شعوبًا وحكومات ؛ إلا باتباع دين الله وتشريعاته العادلة
الحكيمة التي تحفظ للناس دينهم الذي شرعه الله ، وتحفظ لهم عقولهم وكرامتهم
وأعراضهم ودماءهم وأنسابهم وأموالهم ، وتضمن لهم الأمن الحقيقي والسلام
الحقيقي ، وتقضي على الفوضى في التشريعات والأخلاق الرذيلة المتحللة .
وتغرس في نفوس الناس العقائد الصحيحة والعبادات الصحيحة والسياسات العادلة .
وتغرس في نفوسهم الأخلاق الزكية ، من الصدق والأمانة والعدل والحلم والكرم
والرجولة والشجاعة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى الله
بالحكمة والموعظة الحسنة .
وتكرِّه إلى النفوس الكفر والفسوق والعصيان ، والفواحش بالأقوال والأفعال
.