المهـــ Aــــــــاجر وسام التميز والابداع
سكت الليل وروح القمر، وسكن الظلام و اشتد علينا الهجر استنينا نور الفجر المش مطول ، بس الغجر قتلوا اهل الشرف وظلوا ذئاب البشر، الليل حزن علينا والظلام بشد ايدنا حتى العذاب مش متحمل اللي بتشوفو عنينا. عدد المساهمات : 8554
| موضوع: تحريم الغِيبَةِ والنَّمِيمَة الأحد مايو 23, 2010 10:10 am | |
| بابُ تحريم الغِيبَةِ والنَّمِيمَة
اعلم أن هاتين الخصلتين من أقبح القبائح وأكثرها انتشاراً في الناس، حتى ما يسلمُ منهما إلا القليل من الناس، فلعموم الحاجة إلى التحذير منهما بدأتُ بهما.
فأما الغيبة: فهي ذكرُك الإِنسانَ بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه أو دينه أو دنياه، أو نفسه أو خَلقه أو خُلقه، أو ماله أو ولده أو والده، أو زوجه أو خادمه أو مملوكه، أو عمامته أو ثوبه، أو مشيته وحركته وبشاشته، وخلاعته وعبوسه وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك أو كتابك، أو رمزتَ أو أشرتَ إليه بعينك أو يدك أو رأسك أو نحو ذلك. أما البدن فكقولك: أعمى أعرج أعمش أقرع، قصير طويل أسود أصفر. وأما الدِّيْنُ فكقولك: فاسق سارق خائن، ظالم متهاون بالصلاة، متساهل في النجاسات، ليس بارّاً بوالده، لا يضعُ الزكاة مواضعَها، لا يجتنبُ الغيبة. وأما الدنيا: فقليلُ الأدب، يتهاونُ بالناس، لا يرى لأحد عليه حقاً، كثيرُ الكلام، كثيرُ الأكل أو النوم، ينامُ في غير وقته، يجلسُ في غير موضعه، وأما المتعلِّق بوالده فكقوله: أبوه فاسق، أو هندي أو نبطي أو زنجي، إسكاف بزاز نخاس نجار حداد حائك. وأما الخُلُق فكقوله: سيء الخلق، متكبّر مُرَاء، عجول جبَّار، عاجز ضعيفُ القلب، مُتهوِّر عبوس، خليع، ونحوه. وأما الثوب: فواسع الكمّ، طويل الذيل، وَسِخُ الثوب ونحو ذلك، ويُقاس الباقي بما ذكرناه. وضابطُه: ذكرُه بما يكره.
وقد نقل الإِمام أبو حامد الغزالي إجماع المسلمين على أن الغيبة: ذكرُك غيرَك بما يكرَهُ، وسيأتي الحديث الصحيح المصرِّح بذلك.
وأما النميمة: فهي نقلُ كلام الناس بعضِهم إلى بعضٍ على جهةِ الإِفساد. هذا بيانهما.
وأما حكمهما، فهما محرَّمتان بإجماع المسلمين، وقد تظاهرَ على تحريمهما الدلائلُ الصريحةُ من الكتاب والسنّة وإجماع الأمة، قال اللّه تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] وقال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1] وقال تعالى: {هَمَّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11] (18)
1/889 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن حذيفة رضي اللّه عنه عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ".(19)
2/890 وروينا في صحيحيهما، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛أنَّ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم مرّ بقبرين فقال: "إنَّهُما يُعَذَّبانِ ومَا يُعَذَّبانِ في كَبير" قال: وفي رواية البخاري: "بلى إنَّه كَبيرٌ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، وأما الآخَرُ فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ".(20)
قلتُ: قال العلماء: معنى وما يُعذّبان في كبير: أي في كبير في زعمهما أو كبير تركه عليهما.
3/891 وروينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "أتَدْرُونَ ما الغِيْبَةُ؟" قالوا: اللَّهُ ورسولُه أعلمُ، قال: "ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَهُ" قيل: أفرأيتَ إنْ كانَ في أخي ما أقولُ؟ قال: "إنْ كانَ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (21)
4/892 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي بكرة رضي اللّه عنه؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بِمنىً في حجة الوداع: "إنَّ دِماءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وأعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا، ألا هَلْ بَلَّغْتُ؟".(22)
5/893 وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن عائشة رضي اللّه عنها قالتْ:قلتُ للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم: حسبُك من صفيّة كذا وكذا ـ قال بعضُ الرواة: تعني قصيرة ـ فقال: "لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ" قالت: وحكيتُ له إنساناً فقال: "ما أُحِبُّ أني حَكَيْتُ إنساناً وأنَّ لي كَذَا وكَذَا" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (23)
قلتُ: مزجته: أي خالطته مخالطة يتغيرُ بها طعمُه أو ريحُه لشدّة نتنها وقبحها، وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئاً من الأحاديث يبلغُ في الذمّ لها هذا المبلغ {وَمَا يَنْطقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3] نسألُ اللَّه الكريم لطفه والعافية من كل مكروه.
6/894 وروينا في سنن أبي داود، عن أنس رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أظْفارٌ مِنْ نُحاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هؤُلاءِ يا جِبْرِيلُ؟ قال: هَؤُلاءِ الَّذينَ يأكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ في أعْرَاضِهِمْ".(24)
7/895 وروينا فيه، عن سعيد بن زيد رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "إنَّ مِن أرْبَى الرّبا الاسْتِطالَةَ في عِرْضِ المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقّ".(25)
8/896 وروينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَخونُهُ وَلا يَكْذِبُهُ وَلا يَخْذُلُهُ، كُلّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ عرْضُهُ ومَالُهُ وَدَمُهُ، التَّقْوَى ها هنا، بِحسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلمَ" قال الترمذي: حديث حسن. (26)
قلتُ: ما أعظم نفع هذا الحديث وأكثر فوائده، وباللّه التوفيق.
بابُ بيانِ مُهِمَّاتٍ تتعلّقُ بحدِّ الغِيبَة
قد ذكرنا في الباب السابق أن الغيبة: ذكرك الإنِسان بما يكره، سواء ذكرته بلفظك أو في كتابك، أو رمزتَ أو أشرتَ إليه بعينك أو يدك أو رأسك. وضابطُه: كلّ ما أفهمت به غيرك نقصان مسلم فهو غيبة محرّمة، ومن ذلك المحاكاة بأن يمشي متعارجاً أو مُطَأْطِئاً أو على غير ذلك من الهيئات، مريداً حكاية هيئة من يَتَنَقَّصُهُ بذلك، فكلُّ ذلك حرام بلا خلاف، ومن ذلك إذا ذَكرَ مُصنفُ كتاب شخصاً بعينه في كتابه قائلاً: قال فلان كذا مريداً تنقيصه (27) والشناعةَ عليه، فهو حرام، فإن أرادَ بيانَ غلطه لئلا يُقلَّدَ أو بيانَ ضعفه في العلم لئلا يُغترّ به ويُقبل قوله، فهذا ليس غيبة، بل نصيحة واجبة يُثاب عليها إذا أراد ذلك، وكذا إذا قال المصنف أو غيره: قال قوم أو جماعة كذا، وهذا غلط أو خطأ أو جَهالة وغفلة، ونحو ذلك فليس غيبة، إنما الغيبة ذكر الإِنسان بعينه أو جماعة معينين.
ومن الغيبة المحرّمة قولك: فعل كذا بعضُ الناس أو بعض الفقهاء، أو بعضُ من يَدّعي العلم، أو بعضُ المفتين، أو بعض مَن يُنسب إلى الصلاح أو يَدّعي الزهدَ، أو بعض مَن مرّ بنا اليوم، أو بعضَ مَن رأيناه، أو نحو ذلك إذا كان المخاطب يفهمه بعينه؛ لحصول التفهيم.
ومن ذلك غيبة المتفقهين والمتعبدين، فإنهم يعرضون بالغيبة تعريضاً يفهم به كما يفهم بالصريح، فيُقال لأحدهم: كيف حال فلان؟ فيقول: اللّه يُصلحنا، اللّه يغفر لنا، اللّه يُصلحه، نسأل اللّه العافية، نحمدُ اللّه الذي لم يبتلنا بالدخول على الظلمة، نعوذ باللّه من الشرّ، اللّه يُعافينا من قلّة الحياء، اللّه يتوبُ علينا وما أشبه ذلك مما يُفهم منه تنقُّصه، فكل ذلك غيبة محرّمة، وكذلك إذا قال: فلان يُبتلى بما ابتلينا به كلُّنا، أو ماله حيلة في هذا، كلُّنا نفعلُه، وهذه أمثلة وإلا فضابط الغيبة: تفهيمك المخاطب نقص إنسان كما سبق، وكلُّ هذا معلوم من مقتضى الحديث الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا عن صحيح مسلم وغيره في حدّ الغيبة، واللّه أعلم.
فصل: اعلم أن الغيبة كما يحرم على المغتاب ذكرها، يحرم على السامع استماعها وإقرارها فيجب على من سمع إنساناً يبتدىء بغيبة محرّمة أن ينهاه إن لم يَخَفْ ضرراً ظاهراً، فإن خافه وجب عليه الإِنكارُ بقلبه ومفارقةُ ذلك المجلس إن تمكن من مفارقته، فإن قدر على الإِنكار بلسانه أو على قطع الغيبة بكلام آخر لزمه ذلك، فإن لم يفعل عصى، فإن قال بلسانه أسكتْ وهو يشتهي بقلبه استمرارُه، فقال أبو حامد الغزالي: ذلك نفاقٌ لا يخرجُه عن الإِثم، ولا بدّ من كراهته بقلبه، ومتى اضطرّ إلى المقام في ذلك المجلس الذي فيه الغيبة وعجز عن الإِنكار أو أنكر فلم يُقبل منه ولم يُمكنه المفارقة بطريق حرم عليه الاستماع والإِصغاء للغيبة، بل طريقه أن يذكرَ اللّه تعالى بلسانه وقلبه، أو بقلبه، أو يفكر في أمر آخر ليشتغل عن استماعها، ولا يضرّه بعد ذلك السماع من غير استماع وإصغاء في هذه الحالة المذكورة، فإن تمكن بعد ذلك من المفارقة وهم مستمرّون في الغيبة ونحوها وجب عليه المفارقة، قال اللّه تعالى: {وَإِذَا رأيْتَ الَّذينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فأعْرِضْ عَنْهُمْ حتَّى يخوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68].
وروينا عن إبراهيم بن أدهم رضي اللّه عنه؛ أنه دُعي إلى وليمة، فحضرَ، فذكروا رجلاً لم يأتهم، فقالوا: إنه ثقيل، فقال إبراهيم: أنا فعلتُ هذا بنفسي حيثُ حضرتُ موضعاً يُغتاب فيه الناس، فخرج ولم يأكلْ ثلاثة أيام. ومما أنشدوه في هذا:
وَسَمْعَكَ صُنْ عن سماعِ القبيحِ * كصَوْنِ اللسانِ عن النُّطْقِ بِهْ
فإنَّكَ عندَ سماعِ القبيحِ * شريكٌ لقائِلِه فانتبِهْ
بابُ بَيانِ ما يَدْفَعُ به الغيبةَ عن نفسِه
اعلم أن هذا الباب له أدلةٌ كثيرةٌ في الكتاب والسنّة، ولكني أقتصرُ منه على الإِشارة إلى أحرف، فمن كان موفَّقاً انزجرَ بها، ومن لم يكن كذلك فلا ينزجر بمجلدات.
وعمدة الباب أن يعرضَ على نفسه ما ذكرناه من النصوص في تحريم الغيبة، ثم يفكر في قول اللّه تعالى: {ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] وقوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15] وما ذكرناه من الحديث الصحيح "إنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّه تعالى ما يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّمَ" (28) وغير ذلك مما قدّمناه في باب حفظ اللسان وباب الغيبة، ويضمّ إلى ذلك قولهم: اللّه معي، اللّه شاهدي، اللّه ناظر إليّ.
وعن الحسن البصري رحمه اللّه أن رجلاً قال له: إنك تغتابني، فقال: ما بلغَ قدرُك عندي أن أحكِّمَكَ في حسناتي.
وروينا عن ابن المبارك رحمه اللّه قال: لو كنتُ مُغتاباً أحداً لاغتبتُ والديّ لأنهما أحقُّ بحسناتي.
بابُ بَيانِ ما يُبَاحُ مِن الغِيبَة
اعلم أنَّ الغيبةَ وإن كانت محرّمة فإنها تُباح في أحوال للمصلحة، والمُجوِّزُ لهَا غرض صحيح شرعي لا يمكن الوصولُ إليه إلا بها، وهو أحد ستة أسباب:
الأوّل: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممّن له ولاية أو له قدرة على إنصافه من ظالمه فيذكرُ أن فلاناً ظلمني وفعل بي كذا وأخذ لي كذا، ونحو ذلك.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر وردّ العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعملُ كذا فازجرْه عنه ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوسل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراماً.
الثالث: الاستفتاء، بأن يقولَ للمفتي: ظلمني أبي أو أخي أو فلان بكذا، فهل له ذلك أم لا؟ وما طريقي في الخلاص منه وتحصيل حقّي ودفع الظلم عني؟ ونحو ذلك.
وكذلك قوله: زوجتي تفعلُ معي كذا، أو زوجي يفعلُ كذا ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط أن يقول: ما تقولُ في رجل كان من أمره كذا، أو في زوج أو زوجة تفعلُ كذا، ونحو ذلك، فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند الذي سنذكره إن شاء اللّه تعالى وقولُها: يا رسول اللّه! إن أبا سفيانَ رجلٌ شحيح.. الحديث. ولم ينهها رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
الرابع: تحذير المسلمين من الشرّ ونصيحتهم، وذلك من وجوه:
منها جرح المجروحين من الرواة للحديث والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.
ومنها ما استشارك إنسان في مصاهرته أو مشاركته أو إيداعه أو الإِيداع عنده أو معاملته بغير ذلك وجب عليك أن تذكر له ما تعلمه منه على جهة النصيحة، فإن حصل الغرض بمجرّد قولك لا تصلحُ لك معاملتُه أو مصاهرُته أو لا تفعلْ هذا أو نحو ذلك لم تجز الزيادةُ بذكر المساوىء، وإن لم يحصل الغرض إلا بالتصريح بعينه فاذكره بصريحه. ومنها إذا رأيتَ مَن يشتري عبداً معروفاً بالسرقة أو الزنا أو الشرب أو غيرها، فعليك أن تبيّن ذلك للمشتري إن لم يكن عالماً به، ولا يختصّ بذلك، بل كل من علم بالسلعة المبيعة عيباً وجب عليه بيانه للمشتري إذا لم يعلمه.
ومنها إذا رأيت متفقهاً يتردَّدُ إلى مبتدعٍ أو فاسقٍ يأخذ عنه العلم خِفْتَ أن يتضرَّرَ المتفقّه بذلك، فعليك نصيحته ببيان حاله، ويُشترط أن يقصدَ النصيحةَ، وهذا مما يُغلَطُ فيه، وقد يَحملُ المُتكلمَ بذلك الحسدُ، أو يُلَبِّسُ الشيطانُ عليه ذلك، ويُخيَّلُ إليه أنه نصيحةٌ وشفقةٌ، فليتفطَّنْ لذلك.
ومنها أن لا يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما بأن لا يكون صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقاً أو مغفلاً ونحو ذلك، فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيلَه ويُولِّي من يَصلحُ، أو يعلم ذلك منه لتعامله بمقتضة حاله ولا يغترّ به، وأن يسعى في أن يحثَّه على الاستقامة أو يستبدل به.
الخامس: أن يكون مُجاهراً بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، أو مصادرة الناس وأخذ المُكس، وجباية الأموال ظلماً، وتولّي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يُجاهر به ويحرم ذكره بغيره من العيوب إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.
السادس: التعريف، فإذا كان الإِنسان معروفاً بلقب كالأعمش والأعرج والأصمّ والأعمى والأحول والأفطس وغيرهم، جاز تعريفه بذلك بنيّة التعريف، ويحرمُ إطلاقُه على جهة النقص، ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى. فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء مما تُباح بها الغيبة على ما ذكرناه.
وممّن نصّ عليها هكذا الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء وآخرون من العلماء، ودلائلُها ظاهرة من الأحاديث الصحيحة المشهورة، وأكثرُ هذه الأسباب مجمع على جواز الغيبة بها.
1/897 روينا في صحيحي البخاري ومسلم،عن عائشة رضي اللّه عنها؛ أن رجلاً استأذنَ على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: "ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أخُو العَشيرَةِ" احتجّ به البخاري على جواز غيبة أهل الفساد وأهل الرِّيَبِ. (29)
2/898 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال:قسمَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قسمةً، فقال رجلٌ من الأنصار: واللّه ما أرادَ محمدٌ بهذا وجهَ اللّه تعالى، فأتيتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبرتُه، فتغيَّرَ وجهُه وقال: "رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" وفي بعض رواياته: قال ابن مسعود: فقلتُ لا أرفعُ إليه بعد هذا حديثاً. (30)
قلتُ: احتجّ به البخاري في إخبار الرجل أخاه بما يُقال فيه.
3/899 وروينا في صحيح البخاري، عن عائشةَ رضي اللّه عنها قالت:قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَا أظُنُّ فُلاناً وَفُلاناً يَعْرِفانِ مِنْ دِينِنا شَيْئاً".(31)
قال الليث بن سعد ـ أحد الرواة ـ: كانا رجلين من المنافقين.
4/900 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن زيد بن أرقمَ رضي اللّه عنه قال:خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سفر فأصابَ الناسَ فيه شدةٌ، فقال عبدُ اللّه بن أُبيّ: لا تُنفقوا على مَن عند رسول اللّه حتى يَنْفَضُّوا من حوله، وقال: لئن رجعنَا إلى المدينة ليُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ، فأتيتُ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فأخبرتُه بذلك، فأرسلَ إلى عبد اللّه بن أُبيّ. وذكر الحديث، وأنزل اللّه تعالى تصديقه: {إذَا جَاءَكَ المُنافِقونَ} [المنافقون:1]. (32)
وفي الصحيح حديث هند (33) امرأة أبي سفيان وقولها للنبي صلى اللّه عليه وسلم: "إن أبا سفيان رجل شحيح" إلى آخره.
وحديث فاطمة بنت قيس (34) وقول النبيّ صلى اللّه عليه وسلم لها: "أما معاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ، وأمَّا أبُو جَهْمٍ فَلا يَضَع العَصَا عَنْ عاتِقِهِ". | |
|
المهـــ Aــــــــاجر وسام التميز والابداع
سكت الليل وروح القمر، وسكن الظلام و اشتد علينا الهجر استنينا نور الفجر المش مطول ، بس الغجر قتلوا اهل الشرف وظلوا ذئاب البشر، الليل حزن علينا والظلام بشد ايدنا حتى العذاب مش متحمل اللي بتشوفو عنينا. عدد المساهمات : 8554
| موضوع: الغِيبَةِ والنَّمِيمَة تكملة الأحد مايو 23, 2010 10:13 am | |
| بابُ أمرِ منْ سَمعَ غيبةَ شيخِهِ أو صاحبهِ أو غيرِهما
اعلم أنه ينبغي لمن سمع غِيبةَ مسلم أن يردّها ويزجرَ قائلَها، فإن لم ينزجرْ بالكلام زجرَه بيده، فإن لم يستطع باليدِ ولا باللسان، فارقَ ذلكَ المجلس، فإن سمعَ غِيبَةَ شيخه أو غيره ممّن له عليه حقّ، أو كانَ من أهل الفضل والصَّلاح، كان الاعتناءُ بما ذكرناه أكثر.
1/901 روينا في كتاب الترمذي، عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيامَةِ" قال الترمذي: حديث حسن. (35)
2/902 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، في حديث عِتبان بكسر العين على المشهور، وحُكِي بضمِّها رضي اللّه عنه في حديثه الطويل المشهور قال:قام النبيّ صلى اللّه عليه وسلم يُصلِّي، فقالوا: أين مالك بن الدُّخْشُم؟ فقال رجل: ذلك منافق لا يُحِبّ اللَّهَ ورسولَه، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: "لا تَقُلْ ذلكَ، ألا تَرَاهُ قَدْ قالَ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، يُرِيدُ بِذلكَ وَجْهَ اللَّهِ؟".(36)
3/903 وروينا في صحيح مسلم، عن الحسن البصري رحمه اللّه:أن عائذ بن عمرو وكان من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دخلَ على عُبيد اللّه بن زياد فقال:" أي بنيّ إني سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إنَّ شَرَّ الرِّعَاء الحُطَمَةُ، فإيَّاكَ أنْ تَكُونَ مِنْهُمُ، فقال له: اجلسْ، فإنما أنتَ من نُخالة أصحابِ محمَّدٍ صلى اللّه عليه وسلم، فقال: وهل كانتْ لهم نخالةٌ؟! إنما كانت النُّخَالةُ بعدَهم وفي غيرِهم".(37)
4/904 وروينا في صحيحيهما، عن كعب بن مالك رضي اللّه عنه في حديثه الطويل في قصة توبته قال:قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وهو جالسٌ في القوم بتبوك "ما فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ؟" فقال رجلٌ من بني سَلِمة: يا رسول اللّه! حبسَه بُرداهُ والنظرُ في عِطْفَيْه، فقال له مُعاذُ بن جبل رضي اللّه عنه: بئسَ ما قلتَ، واللّه يا رسولَ اللّه! ما علمنا عليه إلا خيراً، فسكتَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. (38)
قلت: سَلِمة بكسر اللام؛ وعِطْفاه: جانباه، وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه.
5/905 ورويناه في سنن أبي داود، عن جابر بن عبد اللّه وأبي طلحة رضي اللّه عنهم قالا:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما مِن امْرىءٍ يَخْذُلُ امْرَأَ مُسْلِماً في مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضَهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ في مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، ومَا مِنْ امْرىِءٍ يَنْصُرُ مُسْلِماً في مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَك فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إلا نَصَرَهُ اللَّهُ في مَوْطِنٍ يُحِب نُصْرَتَهُ".(39)
6/906 وروينا فيه، عن معاذ بن أنس،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "مَنْ حَمَى مُؤْمِناً مِنْ مُنافِقٍ ـ أُراه قال ـ بَعَثَ اللَّهُ تَعالى مَلَكاً يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ مِنْ نارِ جَهَنَّمَ، وَمَنْ رَمَى مُسْلِماً بِشَيْءٍ يُريدُ شَيْنَهُ حَبَسَهُ اللَّهُ على جِسْرِ جَهَنَّمَ حتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ".(40)
بابُ الغِيْبَةِ بالقَلْبِ
اعلم أن سوء الظنّ حرام مثل القول: فكما يحرم أن تحدّث غيرك بمساوىء إنسان، يحرم أن تحدّث نفسك بذلك وتسيء الظنّ به، قال اللّه تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات:12].
1/907 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فإنَّ الظَّنَّ أكْذِبُ الحَدِيثِ".(41)
والأحاديثُ بمعنى ما ذكرته كثيرة، والمراد بذلك عقدُ القلب (42) وحكمُهُ على غيرك بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقرَّ ويستمرّ عليه صاحبُه فمعفوٌ عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيارَ له في وقوعه، ولا طريقَ له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبتَ في الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي ما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها ما لَمْ تَتَكَلَّم بِهِ أوْ تَعْمَلْ" (43) قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقرّ. قالوا: وسواءٌ كان ذلك الخاطِرُ غِيبة أو كفراً أو غيرَه؛ فمن خطرَ له الكفرُ مجرّد خَطَرٍ من غير تعمّدٍ لتحصيله، ثم صَرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه.
وقد قدّمنا في باب الوسوسة في الحديث الصحيح أنهم قالوا: يا رسولَ اللّه! يجدُ أحدُنا ما يتعاظمُ أن يتكلَّمَ به، قال: "ذلكََ صَرِيحُ الإِيمَانِ" (44) " وغير ذلك مما ذكرناه هناك وما هو في معناه.
وسببُ العفو ما ذكرناه من تعذّرٍ اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراماً. ومهما عرضَ لك هذا الخاطرُ بالغيبة وغيرها من المعاصي وجبَ عليك دفعُه بالإِعراض عنه وذكر التأويلات الصارفة له عن ظاهره.
قال الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء (45) : إذا وقع في قلبك ظنّ السوء فهو من وسوسة الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تُكذِّبه فإنه أفسقُ الفسّاق، وقد قال اللّه تعالى: {إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا على ما فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] فلا يجوز تصديق إبليس، فإن كان هناك قرينة تدل على فساد واحتمل خلافه، لم تجز إساءة الظنّ؛ ومن علامة إساءة الظنّ أن يتغيَّر قلبُك معه عمّا كان عليه، فتنفرُ منه وتستثقله وتفتر عن مراعاته وإكرامه والاغتمام بسيّئته، فإنَّ الشيطانَ قد يقرِّبُ إلى القلب بأدنى خيالٍ مساوىءَ الناس، ويُلقي إليه أن هذا من فطنتك وذكائك وسرعة تنبّهك، وإن المؤمن ينظر بنور اللّه تعالى، وإنما هو على التحقيق ناطقٌ بغرور الشيطان وظلمته، وإن أخبرَكَ عدلٌ بذلك فلا تُصدِّقه ولا تُكذِّبه لئلا تُسيءَ الظنّ بأحدهما؛ ومهما خطرَ لك سوءٌ في مسلمٍ فزِدْ في مراعاته وإكرامه، فإن ذلك يُغيظُ الشيطانَ ويدفعُه عنك فلا يُلقي إليك مثلَه خِيفةً من اشتغالك بالدعاء له، ومهما عرفتَ هفوةَ مسلم بحجّةٍ لا شكّ فيها فانصحْه في السرّ ولا يخدعنَّك الشيطانُ فيدعوك إلى اغتيابِه، وإذا وعظتَهُ فلا تعِظْه وأنت مسرورٌ باطّلاعِك على نقصِه فينظرُ إليك بعين التعظيم وتنظرُ إليه بالاستصغار، ولكن اقصدْ تخليصَه من الإِثم وأنت حزينٌ كما تحزنُ على نفسك إذا دخلَك نقصٌ، وينبغي أن يكون تركُه لذلك النقص بغير وعظك أحبّ إليك من تركه بوعظك. هذا كلام الغزالي.
قلت: قد ذكرنا أنه يجبُ عليه إذا عرضَ له خاطرٌ بسوء الظن أن يقطعَه، وهذا إذا لم تدعُ إلى الفكر في ذلك مصلحةٌ شرعية، فإذا دعتْ جازَ الفكرُ في نقيصته والتنقيب عنها كما في جرح الشهود والرواة وغير ذلك مما ذكرناه في باب ما يُباح من الغيبة.
بابُ كَفَّارةِ الغيْبةِ والتَّوْبَةِ منها
اعلم أن كلّ من ارتكب معصيةً لزمه المبادرةُ إلى التوبة منها، والتوبةُ من حقوق اللّه تعالى يُشترط فيها ثلاثة أشياء: أن يُقلع عن المعصية في الحال، وأن يندمَ على فعلها، وأن يَعزِمَ ألاّ يعود إليها.
والتوبةُ من حقوق الآدميين يُشترط فيها هذه الثلاثة، ورابع: وهو ردّ الظلامة إلى صاحبها، أو طلب عفوه عنها والإِبراء منها؛ فيجبُ على المغتاب التوبة بهذه الأمور الأربعة، لأن الغيبة حقّ آدمي، ولا بدّ من استحلاله مَن اغتابَه، وهل يكفيه أن يقول: قد اغتبتُك فاجعلني في حلّ، أم لا بُدَّ أن يبيّنَ ما اغتابه به؟ فيه وجهان لأصحاب الشافعي رحمهم اللّه: أحدهما يُشترط بيانُه، فإن أبرأه من غير بيانه لم يصحّ؛ كما لو أبرأه عن مال مجهول. والثاني لا يُشترط، لأن هذا مما يُتسامحُ فيه فلا يُشترط علمه بخلاف المال. والأوّل أظهرُ، لأن الإِنسانََ قد يسمحُ بالعفو عن غيبة دونَ غِيبة؛ فإن كان صاحبُ الغيبةِ ميّتاً أو غائباً فقد تعذّرَ تحصيلُ البراءة منها؛ لكن قال العلماء: ينبغي أن يُكثرَ الاستغفار له والدعاء ويُكثر من الحسنات.
واعلم أنه يُستحبّ لصاحب الغِيبة أن يبرئه منها ولا يجبُ عليه ذلك لأنه تبرّعٌ وإسقاطُ حقّ، فكان إلى خِيرته، ولكن يُستحبّ له استحباباً متأكداً الإِبراء، ليخلِّصَ أخاه المسلم من وبال هذه المعصية، ويفوزَ هو بعظيم ثواب اللّه تعالى في العفو ومحبة اللّه سبحانه وتعالى، قال اللّه تعالى: {وَالكاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهِ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] وطريقهُ في تطبيب نفسه بالعفو أن يذكِّرَ نفسَه أن هذا الأمر قد وقعَ، ولا سبيلَ إلى رفعه فلا ينبغي أن أُفوِّتَ ثوابَه وخلاصَ أخي المسلم، وقد قال اللّه تعالى: {وَلمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِن ذلكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ} [الشورى:43] وقال تعالى: {خُذِ العَفْوَ} [الأعراف:199]. والآيات بنحو ما ذكرنا كثيرة.
وفي الحديث الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخيهِ" (46) . وقد قال الشافعي رحمه اللّه: من اسْتُرضي فلم يرضَ فهو شيطان. وقد أنشد المتقدّمونَ (47) :
قيلَ لي قد أساءَ إليك فلانٌ * ومُقام الفَتَى على الذُّلِّ عَارُ
قلتُ قدْ جاءَنَا وأحْدَثَ عُذْراً * دِيةُ الذنبِ عِندنَا الاعْتذَارُ
فهذا الذي ذكرناهُ من الحثَ على الإِبراء عن الغيبة هو الصواب. وأما ما جاء عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا أُحَلِّلُ مَن ظلمني، وعن ابن سيرين: لم أُحرّمها عليه فأُحلِّلُهَا له، لأن اللّه تعالى حرّم الغيبةَ عليه، وما كنتُ لأُحَلِّلَ ما حرّمه اللّه تعالى أبداً. فهو ضعيفٌ أو غلطٌ، فإن المُبرىءَ لا يحلِّلُ محرّماً، وإنما يُسقط حقاً ثبتَ له، وقد تظاهرت نصوصُ الكتاب والسنّة على استحباب العفو وإسقاط الحقوق المختصّة بالمسقِط. أو يُحمل كلامُ ابن سيرين على أني لا أُبيح غيبتي أبداً، وهذا صحيح، فإن الإِنسانَ لو قال: أبحتُ عرضي لمن اغتابني لم يَصرْ مباحاً، بل يَحرمُ على كل أحد غِيبتُه كما يَحرم غيبة غيره.
وأما الحديث: "أيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكُونَ كأبي ضَمْضَمٍ، كانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قالَ إِنِّي تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي على النَّاسِ" (48) فمعناه: لا أطلبُ مَظلمتي ممّن ظلمني لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا يَنفعُ في إسقاط مَظلمة كانت موجودة قبل الإِبراء. فأما يحدثُ بعدَه فلا بدّ من إبراء جديد بعدَها، وباللّه التوفيق.
بابٌ في النميمة
قد ذكرنا تحريمها ودلائلَها وما جاء في الوعيد عليها وذكرنَا بيانَ حقيقتها ولكنه مختصرٌ، ونزيدُ الآن في شرحه. قال الإِمام أبو حامد الغزالي رحمه اللّه: النميمةُ إنما تُطلق في الغالب على مَن يَنمُّ قولَ الغير إلى المقول فيه، كقوله: فلان يقولُ فيك كذا، وليست النميمةُ مخصوصةً بذلك، بل حدّها كشف ما يكره كشفُه، سواء كرهه المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو ثالث، وسواء كان الكشفُ بالقول أو الكتابة أو الرمز أو الإِيماء أو نحوها، وسواء كان المنقولُ من الأقوال أو الأعمال، وسواء كان عيباً أو غيره، فَحَقِيْقَةُ النميمة إفشاءُ السرّ وهتكُ الستر عمّا يُكره كشفُه، وينبغي للإِنسان أن يسكتَ عن كلِّ ما رآهُ من أحوال الناس إلا ما في حكايته فائدةٌ لمسلم أو دفعُ معصية، وإذا رآهُ يُخفي مالَ نفسه فذكره فهو نميمة. قال: وكلُّ مَنْ حُمِلت إليه نميمة وقيل له: قال فيك فلان كذا، لزمه ستة أمور:
الأول: أن لا يصدقه، لأن النَّمامَ فاسقٌ وهو مردود الخبر.
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبّح فعله.
الثالث: أن يبغضَه في اللّه تعالى فإنه بغيض عند اللّه تعالى، والبغضُ في اللّه تعالى واجب.
الرابع: أن لا يظنّ بالمنقول عنه السوء لقول اللّه تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظنّ} [الحجرات:12].
الخامس: أن لا يحملَك ما حُكي لك على التجسس والبحث عن تحقيق ذلك، قال اللّه تعالى: {ولا تَجَسَّسُوا} [الحجرات:12).
السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمّامَ عنه فلا يحكي نميمته.
وقد جاء أن رجلاً ذَكَرَ لعمرَ بن عبد العزيز رضي اللّه عنه رجلاً بشيء، فقال عمر: إن شئتَ نظرنَا في أمرك، فإن كنتَ كاذباً فأنتَ من أهل هذه الآية: {إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبإ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] وإن كنتَ صادقاً فأنتَ من أهل هذه الآية: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بنَمِيمٍ} [القلم:11] وإن شئتَ عفونا عنك، قال: العفو يا أميرَ المؤمنين! لا أعودُ إليه أبداً.
ورفع إنسانٌ رُقعةً إلى الصاحب بن عبّاد يحثُّه فيها على أخذ مال يتيم، وكان مالاً كثيراً، فكتبَ على ظهرها: النميمةُ قبيحةٌ وإن كانت صحيحةً، والميّتُ رحمه اللّه، واليتيمُ جبرَه اللّه، والمالُ ثَمَّرَهُ اللّه، والساعي لعنه اللّه.
بابُ النهي عن نَقْلِ الحَديثِ إلى وُلاةِ الأُمور إذا لم تَدْعُ إليه ضرورةٌ لخوفِ مَفْسدةٍ ونحوِهَا
1/908 روينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه، قال:قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا يُبَلِّغْني أحَدٌ منْ أصْحابِي عَنْ أحَدٍ شَيْئاً، فإني أُحِبُّ أنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وأنا سَلِيمُ الصَّدْرِ".(49)
بابُ النَّهي عن الطعن في الأَنْسَابِ الثَّابتةِ في ظاهِر الشَّرْعِ
قال اللّه تعالى: {وَلاَ تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإِسراء:36].
1/909 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ "اثْنَتانِ في النَّاسِ هُمَا بِهمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ في النَّسَبِ، وَالنِّياحَةُ على المَيِّت".( | |
|
CHARIFA وسام المحبة
.و أعشق عمري لأني إذا ما مت يوما أخجل من دمع أمي عدد المساهمات : 2742
| موضوع: رد: تحريم الغِيبَةِ والنَّمِيمَة الأحد مايو 23, 2010 3:54 pm | |
| سلمت يداك و حفظك الله نحن بحاجة للتذكير من حين لآخر لكن الجدير بالذكر هو أن هاته الظاهرة السيئة كانت حكرا على المجتمع النسوي أو بالأحرى كان معظم هاوياتها نساء لكننا نلاحظ اليوم أنها تفشت بين صفوف الرجال و صارت هوايتهم المفضلة | |
|
المهـــ Aــــــــاجر وسام التميز والابداع
سكت الليل وروح القمر، وسكن الظلام و اشتد علينا الهجر استنينا نور الفجر المش مطول ، بس الغجر قتلوا اهل الشرف وظلوا ذئاب البشر، الليل حزن علينا والظلام بشد ايدنا حتى العذاب مش متحمل اللي بتشوفو عنينا. عدد المساهمات : 8554
| موضوع: رد: تحريم الغِيبَةِ والنَّمِيمَة الأحد مايو 23, 2010 8:29 pm | |
| شكرا على مروك العطر ودمتي بود | |
|