قال الله
تعالى " من عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب مني، وما تقرب لي عبدي بشيء أحب
إلي مما افترضته عليه، ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا
أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه
التي يمشي بها وإذا سألني لأعطينه وإذا استغفرني لأغفرن له وإذا استعاذني
أعذته.
فتح الباري 11.34041 حديث رقم 6502 وقد روى الحديث الإمام البخاري وأحمد بن
حنبل والبيهقي
ما معنى ( كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها
وقدمه التي يمشي بها؟).
الحمد لله
معنى هذا الجزء من الحديث : أن العبد المؤمن إذا اجتهد بالتقرب إلى الله
بالفرائض ، ثم بالنوافل قرّبه ربه إليه ، ورقّاه من درجة الإيمان إلى درجة
الإحسان ، فيصير يعبد الله كأنه يراه ، فيمتلئ قلبه بمعرفة ربه ،ومحبته ،
وتعظيمه ، وخوفه ومهابته ، وإجلاله ، فإذا امتلأ القلب بذلك زال منه كل
تعلق بكل ما سوى الله ، ولم يبق للعبد تعلق بشيء من هواه . ولا إرادة إلا
ما يريده منه ربه ومولاه ، فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره , ولا يتحرك إلا
بأمره ، فإن نطق نطق بالله ، وإن سمع سمع بالله وإن نظر نظر بالله ، أي
بتوفيق الله له في هذه الأمور فلا يسمع إلا ما يحبه الله ، ولا يبصر إلا ما
يرضي الله ، ولا يبطش بيده ، ولا يمشي برجله إلا فيما يرضي ربه ومولاه
وليس المعنى : أن الله هو سمعه ، وأن الله هو بصره ، وأن الله هو يده ورجله
. ـ تعالى الله ـ فإنه سبحانه فوق العرش ، وهو العالي على جميع خلقه ،
ولكن مراده سبحانه : أنه يوفقه في سمعه وبصره ومشيه وبطشه ؛ ولهذا جاء في
الرواية الأخرى يقول سبحانه : " فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي "
يعني : أن يوفقه في أعماله ، وأقواله ، وسمعه ، وبصره ، هذا معناه عند أهل
السنة والجماعة ، ومع ذلك يجيب الله دعوته ، فإن سأله أعطاه ، وإن استعان
به أعانه ، وإن استعاذ به أعاذه . . إ . هـ . بتصرف واختصار من ( جامع
العلوم والحكم 2 / 347 ، وفتاوى نور على الدرب الشريط ( 10 ) لسماحة الشيخ
ابن باز رحمه الله ) .
ومن أشار إلى غير هذا المعنى فقد أساء وظلم و تعدى على مقام الله ، وخالف
ما تعرفه العرب من كلامها ، وما تفهمه من مثل هذه الإطلاقات ، يقول الشيخ
ابن عثيمين في مجموع فتاواه ( 1 / 145 9 ) : " فأنت
ترى أن الله تعالى ذكر عبدا ومعبودا ، ومتقرِّبا ، ومتقرَّبا إليه ، ومحبا
ومحبوبا ، وسائلا ، ومسئولا ومعطيا ومُعطى , مستعيذا ومستعاذا به ، ومعيذا
ومعاذا ، فالحديث يدل على اثنين متباينين كل واحد منهما غير الآخر ، فإذا
كان كذلك لم يكن ظاهر قوله كنت سمعه وبصره ويده ورجله " أن الخالق يكون
جزءاً من المخلوق ، أو وصفا فيه تعالى الله عن ذلك ، و إنما ظاهره وحقيقته
أن الله تعالى يسدد هذا العبد في سمعه وبصره وبطشه ، فيكون سمعه لله تعالى
إخلاصا وبه استعانة وفيه شرعا واتباعا وهكذا بصره ، وبطشه ومشيه