إن
الحديث حول التربية حديث مهم ؛لما يترتب عليها من أمور جسيمة لا تخفى على
كل بصيرة ولب، وقد أمرنا الله عز وجل في كتابه الكريم بتعهد الأولاد
وتربيتهم التربية الصالحة، فقال تعالى :(يُوصِيكُمُ
اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ)، وقال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ
نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..)، وقال صلى الله عليه
وسلم :(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)،
وقال صلى الله عليه وسلم :(ما من عبد يسترعيه
الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة).
وهذه النصوص من الكتاب والسنة
تأمر بالإحسان إلى الأولاد وأداء الأمانة إليهم،وتحذر من إهمالهم والتقصير
في حقوقهم.
فأول من يتأثر به الأولاد هو
آبائهم.قال ابن القيم في تحفة المودود : (وكم ممن أشقى ولده،وفلذة كبده في
الدنيا والآخرة بإهماله،وترك تأديبه وإعانته على شهواته ،ويزعم أنه يكرمه
وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه،ففاته انتفاعه بولده، وفوَّت عليه حظه في
الدنيا والآخرة وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامتهم من قبل الآباء) .
وهناك العديد من المعوقات التي
ينبغي على الآباء معالجته حتى تتم التربية الصالحة.ولعل من أبرزها ثلاث
أمور:
1ـ عداوة الشيطان.
2ـ هوى النفس.
3ـ رفقة السوء.
- أما
عــداء الشيـطان:
فقد قال تعالى محذرا من كيده
ومبينا عظيم عداوته للإنسان: ( إِنَّ
الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو
حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ )، وقال تعالى :( يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ
كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ )، وقال تعالى : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن
لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) .
فسمى الله طاعة الشيطان عبادة له
لأنها انقياد وخضوع لوساوسه واستجابة لأمانيه الكاذبة،مع أنه عدو ينبغي
الحذر منه.
- وأما
هـوى النفـس:
فقال تعالى مبينا أن صاحب الهوى
بعبوديته لشهواته وميوله قد أعرض عن مصدر الهداية والتوفيق.قال تعالى:( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ
وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ
أَفَلَا تَذَكَّرُونَ )، قال السعدي رحمه الله في تفسيره : (وهل فوق
ضلال من جعل إلهه هواه فما هو فعله ، فلهذا قال(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) ألا تعجب من
حاله وتنظر ما هو فيه من الضلال).
وكذا قال تعالى مبينا أن عدم
الاستجابة لأمر الله سبحانه ورسوله عليه الصلاة والسلام تكون بسبب إتباع
الهوى :( فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ
فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ
اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ).
وقد جمع العلماء بين هذين
المعوقتين في كثير من أقوالهم.ومنها ما ذكره النووي رحمه الله في شرحه
لحديث (الطهور شطر الإيمان.. كل الناس يغدو
فبائع نفسه فمعتقها أو موقبها)، فقال: ( أي كل إنسان يسعى بنفسه
فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها
للشيطان والهوى بإتباعها فيوبقها أي يهلكها ).
وقال ابن القيم رحمه الله في
كتابه الروح : (أما النفس الأمارة فالشيطان قرينها وصاحبها فهو يعدها
ويمينها ويقذف فيها الباطل ويأمرها بالسوء ويزينه لها- في صورة تقبلها
وتستحسنها.. ويستعين عليه بهواها وإرادتها فمنه يدخل عليه كل مكروه).
وكذا قال ابن تيمية رحمه الله في
مجموع الفتاوى: ( الهوى وحده لا يستقل بفعل السيئات إلا مع الجهل،وإلا
فصاحب الهوى إذا علم قطعاً أن ذلك يضره ضرراً راجحاً انصرفت نفسه عنه
بالطبع .. ولهذا كان البلاء العظيم من الشيطان لا من مجرد النفس،فإن
الشيطان يزين لها السيئات ويأمرها بها ويذكر لها ما فيها من المحاسن).
- وأما
المعوق الثالث وهو صحبة السوء:
فهو من جنود الشيطان وهوى النفس
وقد ورد التحذير العظيم من رفقة وصحبة السوء وحُث على انتقاء الأصحاب
الأخيار في كثير من الآيات والأحاديث ،ومنها قوله تعالى: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
إِلَّا الْمُتَّقِينَ}، وقال تعالى{
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي
اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ،يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ
أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا }.
وصحبة السوء من حزب وجنود
الشيطان وهوى النفس فهم لهم أعظم الأثر على انتصار هذا الحزب على غيره،وقد
قال ابن القيم يرحمه الله في الفوائد: ( ألقى الله سبحانه العداوة بين
الشيطان وبين الملك،والعداوة بين العقل وبين الهوى،والعداوة بين النفس
الأمارة وبين القلب،وابتلى العبد بذلك وجمع له بين هؤلاء،وأمر كل حزب بجنود
وأعوان،فلا تزال الحرب سجالاً ودولاً بين الفريقين إلى أن يستولي أحدهما
على الآخر ويكون الآخر مقهوراً معه).